في كلِّ رحلة طالت أم قصرت وعند أول ضوء ينشق من بطن الأرض ليظهر في المدى، يكاد نبضي يقفز من النافذة يرقص كالعائد المنتصر من وعثاء السَّفَر والحنين إلى الديار.
أتمثل في مجنون ليلى فأهيم شعرًا، وفي جميل بثينة فأقطر شوقًا، وتغدو نجد قلبًا وروحًا ووطنًا وكيانًا به والله افتخر، كيف لا وأنا مضغة من هذه الأرض، همسها وهواءها.
لولا تلبيتي نداء العمل والشعر والثَّقافة وواجبي الإعلامي ما رأيتني أغادرها كثيرًا، لكن ما ذكرت هو سبب في سفراتي الكثيرة التي كان في آخرها مفاجأة لي وللأسف مفاجأة غير سارة، فقد كنت كل مرة أسمع فيها شكاوى عن مطار الرياض اتهم أصحابها بالمبالغة، لكنَّني هذه المرة وبدافع واجبي الوطني سأكتب ما رأيت وما سمعت.
وصلت الرحلة بعد الفجر، ولمَّا استفسرنا عن أماكن تحميل الحقائب الخاصَّة برحلتنا فوجئنا أن السير مليء بحقائب رحلة سابقة إضافة إلى المنطقة المحيطة بها التي تعثر القادمون بها ولم يجدوا لهم موطئ قدم ليقفوا، ولمَّا استفسرت من أحد الواقفين قرب المكان ويضع بطاقة على صدره ظنًا مني أنّه من المسؤولين رفع صوته بالشكوى وقال: مو غريب هذا حال مطار الرياض ولمَّا استفسرت منه عن موقعه الوظيفي، قال: إنه مسؤول من الخطوط الكورية ومتذمر من تأخير الحقائب الخاصَّة برحلتهم، أزعجني تذمر الرَّجل وذهبت لانتظر حقيبتي التي لم تصل إلا بعد ساعة وما أدراك ما الانتظار الذُّباب والحشرات تملأ القاعة والقواطع الزجاجية ضبابية بسبب الأوساخ عليها والمسافرون ضالون ولا مرشد.
الأرض متسخة وعليها ما عليها ولمَّا طفقت أبحث عن أحد أشكو إليه وجدت أكثرهم من موظفي المطار يشكو لي الحال.
هل أنا في مطار رياضنا حقًا! أم أنني أتخيل؟ لا يمكن أن يكون هذا حال مطار لدولة بثقل دولتنا!
تصدق عزيزي القارئ لم يخطر ببالي بعد أن قطعت الأمل ممَّن قابلت من المُوظَّفين الذين اختلفت وظائفهم إلا أن اتصل بداوود الشريان ليأتي ومعه الكاميرا ولننظر كيف سيقدم القضية.
بعد يومين من قدومي كان موعدي مع رحلة أخرى عبر خطوط أجنبية وكان الوضع في قاعة المغادرين أكثر سوءا، تخيلت تلك الحشرات تنقل كل الأمراض المعدية.. وكأن بي أشعر نفسي مصابة بالكورونا أو إنفلونزا الطيور أو كل ما يمكن أن تتخيل أني سمعت عنه يومًا من أمراض قد تفتك بالبشر.
وكمن يتخبّطه الشَّيطان من المس لجأت لِكُلِّ من صادفني من موظفي المطار استفسر استنكاريًّا عن هذه الفوضى وانعدام النظافة في المطار، وكان رد المُوظَّفين بلا استثناء أنهَّم اشتكوا مرارًا وتكرارًا بلا فائدة وأنَّهم استدعوا الإعلامي الشريان لبث الشكوى في برنامجه الذي يحظى بالمتابعة واهتمام المسؤولين لما بتميز به من طرح جريء.
المضحك المبكي أنني عندما تحدَّثت إلى مسؤول شركة النظافة المكلفة الموجود في المطار بعد عناء كان تبريره أننا في رمضان والمُوظَّفون صائمون.
ديننا دين النظافة وحين يصوم المسلم فإنَّه يصوم عن كل ما يغضب الله والوساخة ليست من الإيمان في شيء، وأنّه من عمل عملاً فليتقنه،
مدينتي الرياض، أقبل جبينك اعتذارًا،
أيها السادة الزائرون ديارنا، الرياض مدينة الأزهار والنخيل والجهود الرائعة التي أسهمت في بنائها فلا تظَنّوا أن ما تستقبلون به من حشرات طائرة وأخرى زاحفة وعدم نظافة المكان هو يمت إليها بصلة.
وإنني في هذا المقال أرفع كل الأصوات التي استأمنت قلمي أن يصيح الحرف حتَّى يصل إلى الشَّركة الموكل إليها بتشغيل ونظافة مطار الرياض وجه استقبال القادمين فيتغيّر الحال بما يليق.
mysoonabubaker@yahoo.com