المتمعن في الخطاب الإيراني العام يلحظ ديمومة معينة في مضامينه السياسية بشأن العلاقات مع الدول العربية، وهي تأكيد التطلع لعلاقات طبيعية ومصالح متبادلة مع هذه الدول وخصوصاً الخليجية بحكم الجوار الجغرافي، حتى صارت هذه المسألة ترنيمة يتسلى بها كل رئيس إيراني يفوز بالانتخابات ويستفتح بها فترة ولايته، ومن قرأ
حوارات روحاني الصحافية أو استمع لأحاديثه التلفزيونية يجد دعوته الصريحة لمثل هذه العلاقات، التي لا تخضع لحسن النوايا أو صدق الرغبات في علاقات حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، بقدر ما تعكس المكر الصفوي وسياسة النفس الطويل في التعاطي مع عقلية السياسي العربي، الذي تخدعه التصريحات وتأسره الشعارات.
طريقة المكر الإيراني والدهاء الفارسي تبدو في مثل هذه التصاريح الخداعة التي تخفي وراءها أعمالاً إيرانية سرية تتم على مستوى عالمنا العربي، تارةً تحت أكذوبة دعم المقاومة في بعض البلدان، وهي في حقيقتها خلخلة الأنظمة من داخلها، والسيطرة على حكوماتها، وتارة أخرى أعمال تحت لافتة العمل الخيري والتعاون الثقافي وزيارات المراقد الدينية، وهي ممارسات استخباراتية ومراكز اغتيالات، وتارة ً ثالثة ترديد الشعارات المعادية للغرب فوق الطاولة، بينما الصفقات الكبرى تعقد تحتها. ولكن هذا المكر ما كان له أن يستمر وينجح في أكثر من موقع بالنسبة للسياسة الإيرانية، وإن اختلف اللاعبون في مضمارها لولا أن هناك أذرعاً صفوية يعتمد عليها ملالي طهران في أكثر من بلد خليجي أو عربي، فلدى إيران ميليشيات عسكرية مدربة ومقاتلة تجعل الولاء لمرشد الثورة الإيرانية مقدم على الولاء لبلدانها وفوق الانتماء لمحيطها العربي كما في ميليشيات حزب (عدو الله) في لبنان والحركة الحوثية في اليمن، وهي جاهزة للقيام بمهمات قتالية وفق أجندة المشروع الصفوي، كما حدث ويحدث الآن في سوريا، أو ما فعله الحوثيون قبل سنوات بالاعتداء على حدودنا الجنوبية، أيضاً لدى إيران أحزاب أجيرة وحكومات موالية وأنظمة عميلة تعتبر محاور رئيسة في المشروع الصفوي، فهناك حزب الوحدة الشيعي في أفغانستان المدعوم بشكل كبير من الإيرانيين، والحكومة الطائفية في بغداد التي كرست للفتنة بين السنة والشيعة، ونظام الأسد الدموي في بلاد الشام المدعوم بالسلاح والمال والمقاتلين والخبرة الإيرانية.
كما هناك أذرع إيرانية تتستر تحت غطاء الجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية والرحلات السياحية لنشر التشيع (الصفوي) في الأرخبيل الإندونيسي وكثير من دول أفريقيا وبالذات مصر، مع محاولات حثيثة لنشره في بلاد البلقان، ناهيك عن منظمات الاغتيال في بلدان أوروبية وعربية لتصفية خصوم إيران، أو الذين يشكلون قلقاً لها، وقد كشف الدكتور عبدالله النفيسي أبرز هذه المنظمات الموجودة في السودان وهي منظمة (15 خورداد) التي تتستر تحت لافتة مركز ثقافي.
كذلك دول الخليج ليست بمعزل عن هذه الأذرع؛ ففي البحرين هناك خلايا نائمة وحركات تمرد تظهر بين الفينة والأخرى لإثارة القلاقل والعنف بحجة المطالبة بالحقوق المدنية، وفي المملكة نجحت أجهزتنا الأمنية في ضبط خلية التجسس التي تعمل لصالح إيران، وفي الكويت توجد قنوات فضائية وشخصيات عامة لا تخفي الولاء لإيران، ناهيك عن احتلال الجزر الإماراتية.
نحن أمام أخطبوط صفوي يعبث بمنطقتنا العربية.
alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan