لم يكن تحذير خادم الحرمين الشريفين - الملك - عبد الله بن عبد العزيز، بأن: “ السعودية لن تسمح - أبداً - بأن يستغل الدين لباساً، يتوارى خلفه المتطرفون، والعابثون، والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين، ومغالين، ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة بممارساتهم المكشوفة، وتأويلاتهم المرفوضة “، سوى تشخيص للدراماتيكية الحزبية المقيتة، والتي تتحول في طبيعتها المنحرفة إلى لغة الدماء، - من خلال- العنف، والمؤامرات القذرة؛ لتفرز المسلمين إلى أقليات حسب المذهب، أو الفكر، أو العرق، أو اللون، حين لجأ صنّاعها - مع الأسف - إلى بث ثقافة الكراهية، والعنصرية، وإلى تأجيج النزاعات، والفتن الطائفية؛ حتى لو كان السبيل إلى تحقيق ذلك سفك الدماء، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتدمير المقومات السلمية للوحدة الاجتماعية بين المسلمين.
لقد بلغ التصدع، والانشقاق، إن لم نقل التطاحن أعلى درجاته، بعد انتكاسات عاشتها الأمة الإسلامية. وهو ما أدركه الغرب، من أن الروح الإسلامية إذا ما طُبقت، فستسود العالم بتوحده، وتكاتف أبنائه. وعليه، فإن سياسة “ فرق تسد “، مع استغلال ضعاف النفوس أمام الإغراءات المادية، أو المعنوية، هي ما تعمل على إثارة النزعات العرقية، والدينية، والمذهبية، وتقويض الأمن، والاستقرار؛ من أجل تمزيق أوصال الدول، والعمل على انهيار أركان المجتمع الأوسع.
وبنظرة سريعة إلى دول من حولنا، عانت من عدم استقرار سياسي، وما حدث فيها من انقلابات، وفوضى عارمة، إذ لا يأمن الإنسان على حياته، أو ماله، أو عرضه، سنلحظ الفرق الشاسع بين الحالين المتقابلين. ومع كل تلك الحقائق على أرض الواقع، يخرج علينا - مع الأسف - من بيننا، من يريد إشعال نيران الفتنة، رافعا شعارات جوفاء عن المحبة، والتسامح، متعصبا لأجندته المبنية على العصبية الطائفية، والمذهبية، والشعوبية، أو أي مقصد آخر.
من الإنصاف أن نعترف، أن ثمة مشكلة قائمة، وستبقى هذه المهمة في أعناق علماء المسلمين؛ لإنقاذ الأمة من الأفكار الدخيلة على ديننا، والتي استغلها الخصم في تشويه صورتنا، ورسالتنا، وتاريخنا، ويستند بعض هذه التصورات على عدد من المتطرفين؛ لتستكمل صورة العدو، - باعتبار - أن الإسلام عدو على الدوام. ولن يتحقق هذا التصحيح إلا بالممارسة العملية لمضامين الإسلام، ومعطياته الإيجابية، الذي لا يقبل الخلط، ولا المواربة، - إضافة - إلى ضرورة تخليص الأتباع من وطأة الأهواء الذاتية، والمصالح الخاصة، والتي لا يمكن أن تُوصف بسعة الأفق، وبعد النظر - بحال من الأحوال-.
ثم إن الاعتدال في شتى نواحي الحياة، يعتبر من أعظم المبادئ التي حثت عليها الشريعة - عقيدة وعلما وعملا وأخلاقا ومواقف - وهو منهج الأنبياء، وأتباعهم، ولا يتحقق ذلك إلا بما أقرته أصول الإسلام، ومصادره الأساسية من الالتزام بالكتاب، والسنة، وسبيل المؤمنين. ويتمثل ذلك بالإسلام الصحيح بعد مبعث - النبي صلى الله عليه وسلم -، وبالسنة، ومنهج السلف بعد ظهور الأهواء، والافتراق، وتقديم الإسلام في حقيقته، ومحكماته، بعيدا عن التأويلات المتشابهة، أو المغرضة، أو بما علق به من بعض مظاهر الغلو. والأمل في الخروج من هذا، هو في عودة أمة الوسطية التي نشرت الحق، والعدل، والسلام.
بقي ما يمكن أن يقال: إن الضوابط الشرعية تعمل على توفير المصلحة العليا للبشر على أساس الموازنة، مع تصحيح الأخطاء؛ لتحييد آثار خطاب الكراهية قدر الإمكان، وعدم تشجيع الآخرين على ارتكاب الأفعال ذاتها بدافع رد الاعتبار، أو الانتقام؛ ولأن مشروعا -كهذا- يحتاج إلى جانب المكون الفكري عناصر جوهرية، يأتي في مقدمتها: عدم التحريض على العنف، والكراهية، - إضافة - إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة؛ من أجل منع إثارة الفتن في المجتمع، وحرصا على القيمة المعنوية للإنسان، وسنظل راكنين لمجموعة المطالب السابقة، كونه يضمن الحد المقبول من الاستقرار العام، وهو مصداق لما جاء في خطبة الشيخ، بأنه: “ وليس مخرجًا من الفتن إذا استحكمَت، والبلايا إذا ادلهمَّت إلا لُزومُ الجماعة، والتزامُ الطاعة.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية