ما يحدث في العالم العربي وتحديدا ما يحدث في مصر ليست هي قضية الإخوان المسلمين ولا قضية العسكر، إنما هو الواقع الجديد الذي فرضته التشكيلات الشبابية والحياة الجديدة التي يطرحها شباب: الجامعات الحكومية والأهلية وفروع الجامعات العالمية والابتعاث للجامعات الغربية والإعلام الجديد والانفتاح الفضائي على العالم.
الصراع ليس إخوانيا وعلمانيا، فالذين نزلوا إلى الشوارع في ميادين: القاهرة والإسكندرية ودمشق وحمص وطرابلس ليبيا وصنعاء وصيدا وتونس والجزائر. هم من طلاب الجامعات والثانويات والسواد الأعظم من العاطلين من خريجي الجامعات والثانويات الصناعية والتقنية، يبحثون عن حل للبطالة وعن وظائف وفرص عمل عجزت أن توفرها لهم حكوماتهم : مبارك وبن علي والقذافي وعلي عبدالله صالح وبشار. ليست مطالبهم أيديولوجية وسياسية ولا يعنيهم إن كان الحاكم إخوانياً أو عسكرياً أو يسارياً أو يمينياً أو أنه يحب الغرب أو يكره الروس يوالي أمريكا ويعادي الشرق، من كان بالميادين كان خروجهم على الاقتصاد والحريات الشخصية. خرجوا بدافع الاقتصاد والفساد الحكومي, وكان سندهم الإعلام الجديد، تحركت الشعوب العربية فأطلق الغرب على حراكها الربيع العربي ثم تدارك وأطلق عليه الفوضى الخلاقة, والشرق الأوسط الجديد والكبير.
الآن في مصر يقوم العسكر بمطاردة الإخوان وسجنهم وهي صورة مكرورة من الخمسينيات عندما كان الرئيس جمال عبدالناصر والعسكر يطاردون الإخوان ويودعونهم السجون، وأيضاً في السبعينيات عندما طاردهم الرئيس السادات وأودعهم في السجون، هي دوامة لا تنتهي مع أن الواقع الحالي مختلف تماما عن صراع الإخوان والعسكر فمن هم بالميادين هم طلاب الجامعات والعاطلون عن العمل والباحثون عن فرص جديدة للعيش والخروج من دائرة الفساد والاقتصاد المذل.
فقد زادت التعقيدات الآن مع قتلى الإخوان أمام أسوار الحرس الجمهوري، لتضاف إلى تعقيدات ثوار الاقتصاد وثوار العلوم والإعلام الجديد.
الشارع العربي ثوراته اقتصادية ومن يمسك بالاقتصاد القوي ويؤمن فرص العمل يستطيع بإذن الله تجنيب بلاده ثورات الميادين، وإذا استمر الوضع بهذه الصورة وبخاصة في مصر والشمال الإفريقي فإن النار ستحرق أطراف أوروبا إذا لم تتدخل دول الاتحاد الأوروبي وتساهم في معالجة الاقتصاد وخلق فرص العمل لدول الجنوب, دول حزام أوروبا على سواحل البحر الأبيض المتوسط.