من المتاهات غير المنتهية التي تدخلها بأحلام العصافير.. وتموت داخلها بأمراض الشيخوخة المبكرة.. أن تفكر بامتلاك بيت العمر.. هذا الوتر لا يمكن أن تعزف عليه إلا مقطوعة الوداع الأخير لعقلك.

تبدأ بالحسبة الطَّويلة للتمويل العقاري بين أنياب البنوك المسننة.. وتشدك من كل ناحية أذرع شركات التمويل.. وقلبك بينهم راقصة حافية القدمين على صفيح ساخن مُغلَّف بالشوك!

وكل فرحة تتبعها غصة.. وهكذا دواليك.. وتتناثر حول مسمعك توقعات الاقتصاديين.. وخبراء العقار.. ترسم حلمًا خرافيًّا عن توقعات انهيار الجشع ورجوع الأسعار عن السعار.

ولا تدري هل تتراجع وتعود لرفيقك “الإيجار” معتذرًا وتجدد العهد وأن تعالى غروره وكبرت أطماعه.. أم تكمِّل مشوارك الغامض نحو الحبيب الهارب “تملك”!

لذا أمسك بعقلك فإنَّ القبر صغير جدًا ويكفيك.. فأحمد الله أن المقابر لا تشملها متاهة العقار!

أيها المسئولون عن أمانة الوطن التي استأمنكم عليها ربكم، ثمَّ خادم الحرمَيْن الشريفًيْن:

رغم الوعود.. وبالرغم من الجهود.. فقد دخلنا مرحلة الضرورة.. والمواطن بأمس الحاجة لسكنه.. فالعمر يمضي وما أكثر صفوف المنتظرين والمنتظرات.. هذا الوطن المترامي الأطراف لن يعجز عن احتواء أبنائه.. فلا تكونوا حجر عثرة في طريقه.

ثورات الشُّعوب انطلقت من شرارة الحاجة والعوز والفقر والبطالة.. فأنتم شركاء أهل الفتنة إن عجزتم عن حلّ هذه المشكلة الصَّغيرة.. نعم صغيرة في وطن معطاء كريم.. وحكومة تريد الخير للجميع.

أصعب أن تعرَّفوا ماذا يريد المواطن؟

سكن يحترم إِنسانيته.. وتعليم يرتقي بعقله وأخلاقه.. وعناية بصحته تناسب مستوى الدَّوْلة التي يعيش بها.. وعمل يكفل له لقمة عيشه.. ويقدم من خلاله خدمة لوطنه.

أهذا صعب؟

إن قلتم: نعم.. فاتركوا المكان لغيركم.. لِمَنْ هو مستعد لحمل الأمانة..

وإن قلتم: لا.. فمتى؟

إنكم ببطء تجاوبكم تتركون أبواب الفتن مواربة للخونة.. وقطاع الطرق.. المريدين لوطننا ضياعًا وفوضى.. مثلما استغلَّت في أوطان أخرى.. وذاقت ويلاتها الشُّعوب.

كيف استطاع دعاة الفتن في كلِّ زمان أن يبددوا حضارات الأمم.. أليس من باب حاجة المواطن؟

ألم يجدوا في انكسار قلبه وكبريائه أرضًا خصبة ليزرعوا خدعهم.. وإرهابهم.. وأمراضهم النفسية وعقدهم.. وأحلامًا كاذبة لعصور ذهبية.. وجيشوا الثوار لينطلقوا صوب حتفهم!