Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 31/05/2013 Issue 14855  14855 الجمعة 21 رجب 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كان أبو إسحاق: إبراهيم بن السري بن سهل، يخرِط الزّجاجَ لكنه أحب العربية، فتتلمذ على المبرّد، حتى نال منها واشتهر بالنحو. قال الخطيب البغدادي: كان من أهل الدين والفضل حسن الاعتقاد جميل المذهب، وله مصنفات

حسان في الأدب، مات في جمادى الثانية سنة 311هـ، وحدّث أبو العلاء المعري أنه سمع عنه ببغداد أنه لما حضرته الوفاة سُئل عن سنهِ فعقد لهم سبعين وآخر ما سمع عنه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل.

والكاتبون في السير والتراجم، قد ذكروا في سيرة الزّجاج، مواقف كثيرة تنبئ عن علو همته وشغفِهِ بالعلم وصفاء نفسه، وتوقيره لمعلّمه، وأدبه معه ثم وفائه بما تعهد به.

ففي ذلك الحكاية التي جاءت في مشوار الحضارة، ورواها البغدادي في بداية تعلّم الزّجاج ثم في نبوغه وعلو مكانته، فقد حدّث الزّجّاج قال: كنت أخرُط الزّجاج، فاشتهيت النحو فلزمت المبرّد لتعلّمه وكان لا يُعلّم مجاناً، ولا يعلّم بأجرة إلا على قدرها، فقال لي: أي شيء صناعتك؟ قلت أخرط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ودانقان أو درهم ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك في كل يوم درهماً ودانقان أو درهماً ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك في كلّ درهماً وأشرط لك أن أعطيك إياه أبداً إلى أن يفرّق الموت بيننا، استفتيت عن التعليم أو أصبحت إليه. قال: فلزمته وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم فينصحني في العلم حتى استقللتُ، فجاء كتاب بعض بني مارمة - قبيلة من العترات يلتمسون معلماً نحوياً لأولادهم، فقلت له سمّني فأسماني، فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر 30 درهماً وأتفقده بعد ذلك بما أمرر عليه، ومضت مدة على ذلك فطلب منه عبيدالله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم فقال له لا أعرف لك إلا رجلاً زجاجا في الصراه، مع بني عارمة قال: وكتب لهم عبيدالله فاستنزلهم عليّ فنزلوا له فأحضرني وأسلم القاسم إليّ، فكان ذلك سبب عتابي، وكنت أعطي المبرّد تلك الدراهم في كل يوم، إلى أن مات، ولا أخليه من التفقّد بحسب طاقتي.

قال: وكنت أقول للقاسم بن عبيدالله إن بلّغك الله مبلغ أبيك، ووليت الوزارة ماذا تصنع بي؟ فيقول ما أحببت، فأقول له تعطيني عشرين ألف دينار، وكانت غاية أمنيتي، فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة، وأنا على ملازمتي له، وصِرْت نديمه فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هِبتُهُ، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي يا أبا اسحاق لم أرك ذكرتني بالنذر فقلت عوّلتُ على رعاية الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار بنذر عليه في أمر خادِم واجب الحقّ.

فقال لي: إنه المعتضد ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكني أخاف أن يصير معه حديث، فاسمح بأن تأخذه متفرقاً، فقلت: يا سيدي افعل، فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار وستجمل عليها، ولا تمنع من مسألتي شيئاً تخاطب فيه، صحيحاً فيه أو محالاً، إلى أن يصلك مالُ النذر، قال ففعلتُ ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعاً فيوقع لي فيها، وربما قال لي: كم ضمت على هذا؟

فأقول كذا وكذا فيقول لي: غبنت، هذا يساوي كذا وكذا، ارجع فاستزده، فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ الحد الذي رسمه.

قال وعرضت عليه شيئاً عظيماً، فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مُديدة فقال لي بعد شهور: يا أبا اسحق حصل مال النذر؟ فأقول لا خوفاً من انقطاع الكسب إلى أن حصل ضعف ذلك المال وسألني يوما فاستحييتُ من الكذب المتصل، فقلت قد حصل ذلك ببركة الوزير فقال: فرّجت والله عني فقد كنت مشغولاً بهذا النذر حتى يحصُل لك. قال: ثمّ أخذ الدواة فوقّع إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة لي فأخذتها.

وامتنعتُ أن أعرض عليه شيئاً، ولم أدر كيف أقع منه، فلما جاء الغد جئته وجلست على مرمى فأومأ إليّ أن هات ما معك، يستدعي مني الرقاع التي على الرسم، فقلت ما أخذت من أحد رقعة، لأن النذر وقع الوفاء به، ولم أدر كيف أقع من الوزير؟

فقال: يا سبحان الله أتراني أقطع عنك، ما صار لك عادة، وعَلِمَ به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاهاً وغدوّ ورواح إيابك، ولا يُعْلم سبب انقطاعه، فيظن ذلك لضعف جاهك عندي، أو تغيّر رتبتك عندي.

اعرض علي رسمك، وخذ بلا حساب، فقبّلت يده، وبادرته من غد بالرقاع، فكنت أعرض عليه كل يوم شيئاً إلى أن مات، وقد تحسنت حالي هذه، فرحم الله أبا العباس المبرّد الذي عرّفني - وهو أستاذي- بالوزراء والحكّام، فقد واساني وأغناني وعلّمني.

ومن مواقفه في بداية تأديبه وتعليمه للقاسم تلك الحكاية التي ذكرها ياقوت الحمويّ أن عبيدالله بن سليمان الوزير، وجّه أبا إسحاق الزجّاج إلى أبي خازم: عبدالحميد بن عبدالعزيز بن عبدالمجيد وأبي عمر محمد بن يوسف، يسألهما في رجل محبوس بدون ثابت عندهما، فبدأ الزجّاج بأبي خازم فجاء إليه وقد علا النهار ودخل داره فقال أبو إسحاق الزجّاج للبواب استئذِن لإبراهيم الزجاج فقال: إن القاضي الآن دخل الدار، وليست العادة أن يقوم من مجلسه ويدخل الدار أن يستأذن عليه حتى يصلى العصر، قال أبو اسحاق: تُعلِمه أن الزّجاج بالباب، فقال لو جاء الوزير الساعة لم يستأذن عليه.

فانصرف أبو اسحاق وقعد في المسجد مغتاظاً مما جرى غير أنه لا يشتهي الانصراف إلى الوزير، إلا بعد قضاء حاجته، وقعد إلى وقت العصر، فخرج البوّاب وكنس الباب ورشّ الماء، وقال للزجاج: القاضي قد جلس، فإن كان في الدخول إليه فقم.

فقام الزجاج فدخل على أبي خازم، فسلّم عليه وتعرّف كل منهما خبر صاحبه، غير أنه لم يكن منه من الإقبال ما كان أبو إسحاق من الزّجاج يعتقده منه، فأدى الزجاج رسالة الوزير فقال القاضي له: تقرأ على الوزير أعزّه الله - ونقول له: إن هذا الرجل محبوس لخصمه في دينه، وليس بمحبوس لي، فإن أراد الوزير إطلاقه، فإما أن يسأل خصمه إطلاقه، أو يقضي دينه، فإن الوزير لا يعجزه ذلك، فقال الزّجاج، جئت إلى هاهنا قبل الظهر، فامتنع البواب من الاستئذان على القاضي فجلست إلى الآن للدخول عليك (وهو يقصد بهذا أن يذكّر على القاضي حتى ينكر على البواب)، فقال له نعم هكذا عادتي إذا قُمت من مجلسي ودخلت داري اشتغلت ببعض الحوائج التي تخصني فإن القاضي لابد له من خلوة وتودّع، فاغتاظ الزجاج من ذلك أكثر ثم قام وودع القاضي مغضباً.

إلى آخر الحكاية وهي طويلة، يفهم ومما قبلها أموراً.

عن كيفية توزيع أموال الدولة، وتقدير ما يعطى لكل فرد حسب رقاعهم عفوياً ودون قيود ولا مراقبة، وحالة القضاء وسلطتهم، وأن للوزير ومن تحته صلاحية إعطاء الناس من زينة دون أن يرجعوا إلى الخليفة، فالعطاء ليس له قيود، وإنما بحسب ما يراه أعوان الوزير.

أما الزركلي في الأعلام فقال: إن الزجاج ولد في بغداد عام 241هـ وبها مات عام 311هـ، وأنه عالم النحو واللغة كان في فتوّته يخرط الزجاج ثم مال إلى النحو فعلّمه المبرّد، وطلب وزير المعتضد مؤدباً لابنه: القاسم بن عبيدالله بن سليمان، فأعطى الزّجاج الذي علمه حتى وصل تلميذه الوزارة بعد أبيه، فجعله القاسم من الكتّاب فأصاب في أيامه مالاً كثيراً (1: 33). وفي هذا إبانة عن الطريقة الإدارية، وكيف تدار أعماله فهو بالشفويات دون القيود.

وقد ذكر ابن النديم مجموعة كبيرة من الكتب للزجاج، وأغلبها في النحو والعروض.

وقد رُتب له مواقف أخرى في دفاعه عن سيبويه ضد حقوقه، فكان ينتصر لرأي سيبويه، كما كان له مواقف مع ثعلب خطأ فيها آراءه في كتابه الفصيح للمبتدي وهو عشرون ورقة، وأظهر له عشراً من الأخطاء، بيّنها في مناظرة معه، دفاعاً عن المبرّد وسيبويه والفراء، وكان يريد بذلك أن ينتصر لنفسه، ولهؤلاء الشيوخ في العربية، ويُنزل من قدر ثعلب في تعاليمه واعتداده بما وصل إليه، من علم تطاول به على هؤلاء الثلاثة نقداً وتجريحاً، وقد قال عن نفطويه: مات الناقد، ونفقت البهارج.

mshuwaier@hotmail.com

شخصيات ومواقف: الزّجّاج
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

طباعة حفظ

للاتصال بنا الأرشيف الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة