أحد الفتيان الظرفاء جعل العنوان أعلاه رمزاً له في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، وأعجبني لأنه اختار الضاحية دون المدينة الصاخبة، فالعصفور اللطيف الهادئ الغرّيد يضيق بضجيج المدن وإزعاجات سكانها وما تحويه من مصادر الصداع وتعكير انسيابية ومزاجية الترنّم بالتسبيح للخالق المبدع، وقبل هذا فهو قد اختار اسم عصفور ولم يقل (طائر) لأنّ هذا الاسم يشمل كافة الطيور بما فيهن الجوارح فيبدو أنه كان دقيقاً في الوصف، وأنا مولع بحب الطيور والعصافير تحديداً مع أني لا أستضيف أي طائر في منزلي لأني لا أؤمن بحبس مخلوق منحه الله الحرية من أجل الاستمتاع برؤيته داخل القفص، غير أني أنجذب لها وهي تمرح حرة طليقة فلا يمكن أن تجد عصفوراً بكامل حيويته ومرحه إلاّ على أفنان الأشجار، ولا يمكن أن تجد عصفوراً صامتاً فوق غصن شجرة إلاّ بقوة الظلام، ومن أراد متعة مشاهدة العصافير ولطيف مناوراتها ولهوها وغزلها فليتجه بعد صلاة الفجر نحو أقرب حديقة أو موقع مشجر ويمارس رياضة المشي ومتعة النظر إلى ألطف مخلوقات الله جمالاً ورشاقة وترنماً.
ومما قرأت عن (الطيور) وما أودع الله سبحانه فيها من حكمته وحسن تدبيره، أنّ ملايين من طيور (الرهو) تعبر سنوياً أجواء المملكة مما يُعَد مؤشراً على المستوى العالي من الأمن والاطمئنان، فالطيور بطبعها تتجنّب بؤر التوتر ومصادر الخوف، وجمال هذه الطيور لا ينحصر في شكلها بل أيضاً في سلوكياتها لا سيما فترة التزاوج، كما يكمن الجمال في طريقة طيرانها أثناء هجرتها وأصواتها خلال الطيران وهو فيما يبدو ليس عبثياً إنما هو مما ألهمها الله من التسبيح بحمده ومتابعة بعضها لبعض وتقديم التعليمات من قائد السرب إلى من يليه وهكذا حتى يكون معمماً للجميع، ويقول العلماء إنّ هذه الطيور معروفة بإخلاصها لبعضها لدرجة ارتباط الذكر بالأنثى مدى الحياة، ولفت انتباه العلماء طيرانها فوق البحر الأحمر بطريقة منظّمة على شكل الرقم سبعة دون أن تخفق بأجنحتها لتوفير الطاقة، ولعدم توفر تيارات الهواء الساخنة فوق البحر التي تعتمد عليها عادة في حمل جسمها الثقيل، وفي هذا درس وعبرة للبشر، اقرأ قوله تعالى في الآية (19) من سورة الملك، والطيور المهاجرة في تراتب فصلي أو سنوي تؤدي مهاماً يعرفها المتخصصون، من ذلك أنها حينما تحطّ في منطقة معيّنة في وقت محدّد من السنة فإنها تنظّف تلك البيئة من كثير من الآفات المؤثرة على التربة أو المزروعات أو المياه فسبحان من دبّرها، ويقول أحد العلماء في دراسة أجراها في منطقة بجنوب أفريقيا على أحد أنواع الصقور المهاجرة انها تقوم بالتهام أكثر من (2.5) بليون نملة بيضاء أثناء بقائها في تلك الربوع في طريق رحلتها السنوية، فيما قالت الدراسة إنّ الصيد الجائر لهذه الصقور في مناطق هندية لأكلها تسبّب في كوارث زراعية وبالتالي اقتصادية لتكاثر النمل الأبيض والجراد والديدان هناك، ومن حكمة الله المودعة في مثل هذه الطيور المهاجرة انها تغيّر من نمط معيشتها حسب الفصول والمناطق البيئية، ولهذا التدبير الإلهي أهميته في مسألة التوازن البيئي وسلامة الأرض.
t@alialkhuzaim