تحقيق - راشد الزهراني:

بتنا على مرمى حجر من الإجازة الصيفية، والكثيرون بدأوا يعدون العدة لحزم الحقائب .. والاتجاه صوب مناطق الجذب السياحي.

موسم السفر والسياحة يفتح ـ كالعادة ـ الجدل حول السياحة الداخلية ورصيفتها الخارجية، وكالعادة ـ أيضاً ـ ينقسم الناس بين مناد بالسياحة الداخلية بما يتوافر فيها من أمان وما تدره على دورة الاقتصاد الوطني من موارد، وبين مفضلين للسياحة الخارجية تحفظا على سلبيات داخلية يرونها، ورغبة في الاستمتاع واستكشاف عوالم أخرى بما تكتنزه من ثقافات ومعارف.

الملف ليس جديدا، لكنه ينفتح كل صيف، رغبة في زحزحة المواقف تجاه بعضها البعض .. ليكون تلاقح الآراء جسرا لتحسين السياحة الداخلية، وتشجيع عوامل الجذب صوبها، بدلا من تغطية الأعين عن منغصاتها، ما يؤثر في إقبال الناس عليها، على الرغم من ميزاتها النوعية خصوصا المتعلقة بالسياحة الأسرية.

سياحة ما بعد العمرة

المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة محمد العمري، ركز على تميز المملكة بالسياحة خاصة الدينية أو العمرة السياحية، وأشار إلى أن هناك مشروع تطوير المتاحف الذي يعرض تاريخ الدين الإسلامي وهذا المشروع أقرته الدولة مؤخرا وهو مشروع السياحة لما بعد العمرة، وذكر أن هناك الكثير من مواطني الدول الإسلامية يريدون أن يبقوا في المملكة، لذلك تعقد الهيئة العامة للسياحة والآثار والمديرية العامة للجوازات ووزارة الحج واللجنة الوطنية للعمرة اجتماعات متواصلة لتأسيس أطر سياحة ما بعد العمرة التي تسمح للمعتمرين بالتجول في مدن المملكة خلال فترة التأشيرة.

ويرى العمري أن الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار مهتم للغاية بالمحافظة على جدة التاريخية، وذلك ضمن اهتمام سموه بالتراث العمراني الوطني، وأشار إلى أن سموه كان ولا يزال من المنادين بأهمية نهوض الأهالي والمؤسسات المحلية في محافظة جدة بدورهم في الحفاظ على إرثها العمراني والعناية به، وهي بذلك تعد أول موقع تراث عمراني جرى حمايته وتصنيفه في المملكة العربية السعودية، ما أسهم في إبقاء المنطقة وإيقاف التعدي عليها أو مسحها بشكل كامل . مشيرا إلى أنه قد تم تقديمها وترشيحها لقائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، وجرى التنسيق مع أمانة محافظة جدة لتوثيق مباني جدة التاريخية والأرشفة الإلكترونية للوثائق، وقد بدأت بلدية جدة التاريخية في جمع المخططات والمعلومات السابقة عن جدة التاريخية وتوثيقها تمهيدا لإعادة أرشفتها وعرضها.

ملاحظات المواطن

المواطنون باعتبارهم مستهدفين من قبل السياحة وبرامجها، كان لهم رأي، ومنهم عايض عسيري الذي يشير الى أن المملكة بها مناطق سياحية جميلة جداً، لكنها ما زالت تعاني من بعض المعوقات: «ننتظر من الجهات المعنية تذليل كل الصعوبات والعوائق, وتكثيف الرقابة, لتشجيع المواطن على قضاء إجازته الصيفية في ربوع بلاده». ويضيف عسيري: «الوضع يحتاج إلى عناية فيما يختص بمحطات واستراحات الطرق السريعة التي يتوقف عندها المسافر للسياحة، ومشكلات الحجوزات لدى الخطوط محتاجة للتذليل. وهي صعوبات تتسبب مع غيرها في عزوف البعض عن قضاء إجازاتهم الصيفية في مصائف بلادهم، ويفرون إلى السياحة في الخارج». وتساءل عسيري: «ماذا لو اجتمعت الجهات المعنية بالسياحة في بلادنا، ونسقت فيما بينها وناقشت أهم معوقات السياحة الداخلية وعملت على إيجاد الحلول المناسبة لها وإنهاء هذه المعوقات؟. حتماً ستحل هذه المشكلة، وستكون السياحة الداخلية ميسرة ومريحة ومشجعة للمواطن والمقيم».

دوافع غير كافية

أما مروان أحمد خليل فيضيف بأن السياحة تلعب دورا كبيرا في التنمية الاقتصادية وكذلك التنمية الفكرية. ومما لا شك فيه فإن السياحة بمنظور اقتصادي من أهم مصادر الدخل القومي لكثير من الدول، والمطالبة بأن تكون السياحة داخلية تنطلق من عدة دوافع: وطنية، اقتصادية، وأمنية: «لكن هذه الدوافع لا تكفي وحدها في إنجاح الإقبال السياحي ليكون داخل الوطن، فمن أرادها داخلية يصطدم بعدة عقبات أبرزها: ارتفاع تكاليف السياحة الداخلية، مشكلة حجوزات الطيران، الخطورة وعدم الصلاحية لبعض الطرق البرية الطويلة التي تربط بين مناطق المملكة مترامية الأطراف، الخدمة على هذه الطرق شبه معدومة، وعدم تهيئة المدن والمحافظات التي يقصدها السياح، وافتقادها لكثير من الضروريات من سكن، ونظافة».

ويضرب مروان مثلا بمنتزهات الشفا والردف بالطائف، حيث أشار إلى أنه لا توجد أماكن نظيفة للجلوس وان وجدت فالراحة معدومة والدراجات النارية والإبل والخيل تزاحم الزوار في جلساتهم بإزعاجها وغبارها المتطاير ورائحتها ما يستوجب ان تخصص لها أماكن بعيدة.

تأمل ومردودات نفسية

أما عقاب الدوسري فيرى أن السياحة ليست فقط في السفر داخليا أو خارجيا، فهناك من ينتهزها فرصة في الزيارات العائلية والرحلات الترفيهية. ومن أهم أهدافها التأمل وتحقيق المردودات النفسية حيث تأتي نتائجها مقرونة بالعظة والعبرة وأحيانا التقليد والاقتباس من الثقافات الأخرى وتبادل الخبرات والمعارف بين عدد من الأنماط البشرية في مجتمعات البلد الواحد أو في محيط بلدان العالم المترامي الأنحاء والواسع الأرجاء.

لكن الدوسري بدا أكثر تحديدا لمشكلات السياحة الداخلية: «هناك من يسعى لرفع الأسعار. عكس الصورة التي نراها خارج الوطن من خدمات جيدة مقابل أسعار معقولة، زيادة على انك ترى أشياء خارجة عن المألوف في كل ما تعودناه وفي مقدمتها الأجواء الجميلة وحسن تنظيم المدن ونظافتها الواضحة وأساليب تعامل مواطنيها مع السائح الغريب، بينما في حالة السياحة الداخلية نجد حتى علامات الطريق مفقودة، وهي من حقوق السائح المسافر مما يضطره للتوقف وسؤال الآخرين عن طريقة وكيفية الخروج من هذا البلد أو ذاك.. هذا عدا مظاهر أخرى تتعلق بالاهتمام بالنظافة خاصة نظافة الشوارع والشواطئ العامة وحتى الخاصة».