هناك نمط عجيب من البشر ينطبق عليه القول
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا
شراً أذيع وأن لم يعلموا كذبوا
أو بمعنى آخر ينطبق عليهم ما قاله الشاعر
الله لا يجزا خطاة الكذوبي
اللي يخمّ العلم من دون ملفاه
وهذا النمط لا يكتفي بأن (يخمّ) العلم أو الخبر فقط بل يضيف عليه من (عندياته) ويزوّره ويحوّره ويقلبه رأساً على عقب بلا أدنى ذرة من شعور وأخلاق وكرامة أيضاً وكأن ضميره يرحمه الله (ليس له أساس من الصحة إطلاقا) كما اعتادت أن تقولها بعض وزارات الإعلام العربية لدى نفيها لأي خبر لا تحسن التعامل معه. وصحيح أيضاً أن كثيراً من ضحايا هذه الأنماط (الميتة الشعور) لا تملك إزاء ذلك إلا أن تردد:
إذا أدمت قوارضكم فؤادي
صبرت على أذاكم وانطويت
وجئت اليكمُ طلق المحيا
كأني ما سمعت ولا رأيت
وذلك انطلاقاً من قناعاتها الراسخة التي علمتها إياها الحياة في تمسكها بالمقولة الأزلية:
اما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقر بأقصى عمقه الدرر
وكم على الأرض من خضراء مورقة
وليس يرجم الا ماله ثمر
والحال مع هذه الأنماط التي تلوث الحياة وتحيل حياة المرء الى جحيم لا يطاق لأنها في الأساس تجسد بالفعل ما قاله الشاعر
إن يسمعوا ريبه طاروا بها فرحاً
مني وما سمعوا من صالح دفنوا
مثل العصافير احلاماً ومقدرة
لو يوزنون برق الريش ما وزنوا
ولم لا ما دام المرء في هذه الحياة القصيرة يحاول قدر استطاعته أن يكون نبيلاً بالفعل بل ومثالياً يحب الناس، كل الناس ملء القلب ولكن الناس في طبيعتها يبدو أنها غير قادرة على المحبة والحب مهما حاول المرء أن يتجنب هذه الطبيعة العدوانية المقيتة. ولكن يبقى القول أخيراً وما دام هنالك في الحياة من يصرّ على العداوة والعدوان لا يملك أحدنا الا ان يردد:
عداي لهم فضل علي ومنّة
فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وصح لسان كل من اشتركوا في هذا النص من الأحياء والأموات.