بحسب العرف الاقتصادي يمكن تقسيم فئات المجتمع في أي بلد من حيث مستوى الدخل إلى ثلاث فئات رئيسة العليا والوسطى والدنيا، والعليا تشمل الأغنياء والأثرياء والدنيا تشمل الفقراء والمعدومين، أما الطبقة الوسطى وهي محور هذا المقال يمكن تعريفها من الناحية الاقتصادية بأنها الطبقة التي يمكنها معدل دخلها من سد احتياجاتها الضرورية من مسكن ومأكل وملبس ويتبقى لديها وفراً من المال تصرفه كما تشاء على الكماليات الصغيرة أو تدخره لشراء الكماليات الكبيرة، ولا تتوفر تقديرات دقيقة عن نسبة كل فئة من هذه الفئات في مجتمعنا.
وعلى الرغم من ما تشهده المملكة من انفتاح اقتصادي ورخاء ومناخ استثماري مشجع في شتى المجالات، ونهضة عمرانية كبيرة وتوظيف جيد للعائدات النفطية، إلا أن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الفئة الوسطى مقبلة على خطر حقيقي قد يؤدى إلى تآكلها واندثارها إن استمر ارتفاع معدلات الأسعار الحالية للسلع والخدمات وأستمر الانفلات الاستهلاكي لدى أفراد هذه الفئة، مع استمرار خطر أن تغرق هذه الطبقة بالاعتماد على التمويل الشخصي، وهو ما حدث بالفعل نتاج اتجاه جزء كبير من أفراد هذه الفئة للدخول في أسواق الأسهم والتي لاقت انهيارات كبيرة كبلتهم خسائر جسيمة وديون كبيرة تطالبهم بها البنوك ولا زالوا يعانون من ذلك.
وأحد أهم الأسباب التي قد تؤدى إلى تآكل هذه الطبقة يعود إلى محدودية دخل هذه الفئة وعدم زيادتها وكذلك ارتفاع معدلات التضخم والذي يشمل السلع الضرورية كالمواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها في الآونة الأخيرة، وكذلك ارتفاع أسعار الدواء ومواد البناء والخدمات الضرورية مثل أسعار الكهرباء والماء والخدمات الصحية، الرسوم المدرسية، كذلك الإيجارات وأسعار الأراضي والعقار والذي سيؤدى إلى أزمة سكن تخنق هذه الفئة وهو ما يحصل حاليا، كل ذلك سيزيد بكل تأكيد من اتساع قاعدة الفقر وسيصبح لدينا فئتان فقط عليا (غنية) ودنيا (فقيرة) بعد تآكل الوسطى.
مظاهر تآكل الطبقة الوسطى تبدو واضحة بجلاء حاليا، ومن أبرزها ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم ظاهرة الفقر، وانخفاض عوائد وأرباح المنشآت الصغيرة، وانخفاض مؤشرات الأسهم، والارتفاع الواضح في أسعار الإسكان والعقار، وتزايد ظاهرة استهلاك المنتجات ذات الجودة المتدنية، وارتفاع معدلات الأمراض، وزيادة عدد المعسرين والمديونيات على مستوى الأفراد.
معالي وزير الاقتصاد في خبر نسب له في صحيفة عكاظ يوم الخميس الماضي يختلف مع وجهة نظرنا؛ حيث يقول إنه أصبح هناك لغط وحديث عن انكماش الطبقة الوسطى في المملكة، ويطمئن الجميع أنهم في وزارة الاقتصاد والتخطيط عملوا دراسة حديثة تؤكد أن هذه الفئة لم تنكمش وإنما زاد طموحها والذي أصبح عاليا جدا، وأكد أن السياسة الاقتصادية وهاجس الدولة هو توفير الخدمات للمجتمع سواء كان في الصحة أو التعليم أو السكن... إلخ، وهذه الفئة مهمة جدا وكل القرارات تنصب حولها.
ونحن بدورنا، نتمنى أن يكون ما ذكره معاليه صحيحا مع أن ما يحدث في الواقع خلاف ذلك، وكل ما نأمله أن لا تقف الجهات المسئولة مكتوفة الأيدي وتتابع تآكل هذه الفئة، بل يجب أن تتدخل بوضع بعض السياسات الحكومية اللازمة للحد من تلك الارتفاعات في معدلات الأسعار مع توفير بيئة معيشية آمنة تضمن أمنا وظيفيا ومستوى تعليميا مناسبا مع توفير رعاية صحية مجانية مناسبة ولعل قرارات الإسكان التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي تعد بداية الحلول لإنقاذ الطبقة الوسطى من الاندثار.
smlhft2010@gmail.com **** sulmalik@hotmail.comsultan_almalik@ تويتر