|
عندما كان الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) في زيارة لمصر سنة 1365 للهجرة (1946م) استقبل وفداً من أعيان السوريين وصحفييهم، ومما قاله لهم: لقد سمعت كثيرا أن السوريين يتكلمون ولا يتفقون على رأي وأغضيت عن هذا لعلمي بأن دمشق مبعث الحركة العربية، شعرت بمثل ما أنتم فيه الآن أيام حروبي مع ابن رشيد ابتعد عني كثير من أبناء عشيرتي لما كنت ضعيفا والتف حولي كثيرون من أعدائي يوم ارتفعت رايتي، عشت 25 سنة في البراري وتحملت وقاسيت وأصابني من ضربات السيوف ما جعل الحياة في نظري لا تساوي شيئاً أمام إعلاء كلمة الحق.
نحن الملوك والرؤساء لسنا كل شيء في نشوئنا نحن نعمل وعلى البلاد ان تعمل ايضاً، تأكدوا بأنني لا مطمع لي في سورية، وإنما أريدها مستقلة حرة، و وصيتي لكم أن تتعاونوا، أنا لجميع العرب وخاصة لسورية.
وقال: محمد شاكر خردجي: عندما كنت مع من كان من زملائي الصحفيين نستمع الى حديث الملك عبد العزيز آل سعود وقد تفضل بالحديث التالي قال: العرب بمثابة جسد واحد والجسد الواحد يعني الاتحاد وعلينا ان ننهض متكاتفين متضامنين؛ فالإنسان بمفرده لا يستطيع ان يحتل مكانة في هذا العالم القلق إلا بمعونة إخوانه، ونحن لا نستطيع أن نسير إلا بمساعدة اخواننا العرب ونتكاتف معهم فالاجتهاد والسعي واجبان على كل إنسان، ونسأل الله عز وجل أن يهيئ للعرب والمسلمين من أمرهم رشداً ولا يمكن لأي شخص تسري في دمه روح العروبة ان يتقاعس عن الاجتهاد لما فيه خير لبلاده وهذا هو الصحيح.
يجب علينا التأني والتروي في الأمور؛ لأن الدنيا لا تبنى في يوم واحد. إن العرب يحتاجون الى التضامن وخصوصاً في هذا الوقت قال الله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وإذا حصل منا الاعتصام الواجب وقمنا بالواجب علينا, ففي هذا كل الخير ولا حول ولا قوة الا بالله ثم إني أقول لكم أن لا تعتمدوا كل الاعتماد علينا نحن الملوك والأمراء ورؤساء الحكومات، بل العمدة عليكم أنتم ويجب أن تكونوا صفا واحدا، ويجب أن تساعدوا الذين يترأسون عليكم بإطاعتكم لأن المخالفة والتفرقة مضرتان ولا تتفقان ومصلحة الوطن وهذا واجب على كافة لأفراد الأمة.
ولكن الذين يعملون على التفرقة إذا تنبهنا إليهم فيكون نصيبهم الخسران، وذلك بأن نلجأ إلى الاتحاد فالاتحاد دعامة القوة، وأطيعوا رؤساءكم ففي الطاعة نصر لكم، ولكم في عمل خالد بن الوليد وهو أعظم وأنجب شخص ظهر في العرب، فقد جاءه الأمر بالعزل من عمله وهو في عنفوان قوته، ومع ذلك لم يلبث إلا ريثما أتم المعركة ثم ترك القيادة لغيرة ونزل منزلة الأسير ولكنه أطاع فكانت طاعته نصرا عظيما ومثلا عاليا في حسن الخلق وعظيم الأسوة، وأنتم الخلف سيروا على مناهجهم أنتم الذين تريدون التأثر بتاريخهم، أخشى عليكم من الشيطان.
يجب على رؤسائكم مراعاة شؤونكم والاهتمام بأموركم، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ثم إن الدين هو أعز من النفس ونحن العرب والحمد لله مشهورون بالعفاف والنجابة وأن التفرق لا ينبغي أن يكون بين العرب فيجب علينا الاتحاد والتضامن وإزالة الفوارق بيننا ويجب أن نعدل ونحكم بالعدل، يقتضي أن نترك الأهواء ولا نهتم بالكراسي، أذهبتكم أيها الناس فما معنى الحرص على الكرسي وهو مزعزع.
اسألوا هذا الرجل - وأشار بيده إلى جميل مردام: أنا كنت أول من اعترف بسورية دولة مستقلة وأثار هذا الاعتراف عتب بعض رجالكم وإن اعترافي باستقلال هو ذخيرة لها تنتفع بها عند اللزوم وهاهي قد انتفعت به والحمد لله.
ولا تؤخذوا بمدنية أوربا الزائفة وتتركوا فضائلكم فعدو البلاد لا يعمل لما فيه خيرها ونصيحتي لكم أن تعملوا ما عملنا نحن وما عمله أسلافكم الأطهار فالذي يصبر يظفر، وقد آثرنا مصلحة البلاد العربية على مصالحنا الخاصة، ملكنا بالسيف بعدما حاربنا حروبا متواصلة وهاهو جسمي وكشف عن جانب من جسده يشهد بما فيه من جراح لا تزال آثارها شاهدة على ما كابدنا وعانينا من المصاعب في سبيل استرجاع ملكنا والمحافظة عليه.
واستطرد قائلا: إن السوريين وقعت على كواهلهم معظم مصائب الحرب والجهاد في سبيل العرب والعروبة وعندما وقعت أنا في بعض المصاعب وجدت منهم العون والمساعدة، فأنا أحبهم ويسرني القول إن جل رجالي هم من السوريين، فإن وجدتهم في البلاد مصلحا فالتفوا حوله مادام يحب العدل ويعمل له عليكم بالتضامن، هذه نصيحتي وهذا رأيي اوجهه للعرب عامة ولكم يا أهل سورية خاصة.
أحب إلي أن تكون سورية مستقلة تحكم نفسها بنفسها ويرى أمورها رجالها وليس لي مقصد بأن أحكم بلادكم بنفسي او بأحد أبنائي، بل أقول لكم اعتمدوا على أنفسكم فخير لكم أن تتولوا اموركم بأنفسكم لكم الان صديق هو أنا، واعتصموا بحبل الله ويدكم واحدة.. هذه نصيحتي وأنا لكم ومعكم.
وختم جلالته الحديث قائلاً (نحن جنود لخدمة الوطن العربي في كل بقعة من بقاعه، نشأنا على هذا وسنظل على ذلك حتى ينال العرب استقلالهم جميعا، أنا لا يهمني ترف الحياة فطالما تركت الغذاء أياما وأنا أجاهد، والآن لا أزال مستعدا أن آكل يوما وأجوع يوما لتعيش بلاد العرب جميعا)، غفر الله للملك عبد العزيز ووفق ابناءه وأحفاده لما فيه صالح الإسلام والمسلمين.
- إمارة منطقة الرياض