في السنوات الأخيرة بدأت المنظمتان (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم باختيار عاصمة للثقافة وهذه مبادرة منهما تصب في تأصيل ثقافتنا العربية الإسلامية الرائدة التي أسست للثقافة العالمية من خلال نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين في قوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }، وقد اختاره الله للقيام بأداء هذه الرسالة المقدسة لأن لها مقومات خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم تميزه عن البشر فالعصمة خاصة به وبالأنبياء وكلامه ونطقه لا يأتي من هواه إنما هو من الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، فلهذا عندما تأصلَْ كلمة ثقافة سوف نجد أن نبي هذه الأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جعلها واقعاً معنوياً وسلوكياً ملموساً في حياة المسلم لأن الثقافة ليست اجتراراً للمعرفة إنما هي قول وفعل وليست برستيجا للإنسان يميزه عن الآخرين قولاً بدون فعل وهذا يؤكد ما ذهبت إليه المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم عندما اختارت المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية وهي رسالة موجهة للعالم بأسره لأن قاموس الثقافة الحقيقي يمر من خلال الأنبياء المرسلين فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة المنورة أول عمل قام به هو بناء مسجد قباء ومن ثم مسجده صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك توالت بناء المساجد الأخرى وهذه المساجد هي أشبه ما تكون بجامعات على غرار الجامعات الحالية المنتشرة في العالم الإسلامي بل هذه المساجد تفوقها في كل شيء فهي أمكنه للحمة المسلمين وتعاونهم وترابطهم ووحدتهم ومن خلال القرآن والسنة النبوية المطهرة اللذين دروسهما حاضرة في أروقة هذه المساجد وصحابة رسول الله لا يغادروا أي آية أو حديث إلا تعلموها وطبقوها في حياتهم ومنهج سمعنا وأطعنا حاضراً عندهم وهذه قمة الثقافة الروحية والمادية التي ترسخ العبودية الواعدة المتفاعلة مع هموم الأمة لأن الثقافة ليست مقتصرة على إلالمام والتنور بالمعرفة إنما تفاعل الإنسان مع ما يحيط به ويكون عنصراً مساهماً في الارتقاء بعقليته لخدمة الأمة فنبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم رائد الثقافة العالمية الأول أعطى الأمة دروساً في المفهوم الشامل للثقافة وأهمها هي معرفة الإنسان لربه والاهتداء بهديه والحكم بما أنزل الله فأي ثقافةلا تتضمن هذه المضامين السالفة الذكر لا ينظر إليها وإنما تعتبر ثقافة ناقصة علماً بأن ثقافة نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تغلق الباب أمام الحكمة بل هي ضالة المؤمن كما قال الرسول صلى الله عليه، وأستطيع أن أقول إنه لا يوجد في هذا الكون ثقافة اكتملت فيها مقومات المعرفة سوى ثقافة الإسلام لأنها أوجدت أوعية لهذه الثقافة كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتجد المعلومة المعرفية بشتى أنواعها حاضرة سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وتربوية وفلكية وأجنة وخلافها وهذه لا توجد في الثقافات الأخرى التي فصلت بين الدين والدولة فكل واحد منهما يعمل على حسب أهوائه وتوجهاته والثقافة مفرغة من الجوانب الروحية التي تعتبر ركيزة أساسية لها.
والله من وراء القصد..
mid@abegs.org