لم يكن يعنيه في الحجرة التي يقطنها إلا أن تكون كل قطعة فيها موضوعة في مكانها..
لا يعبأ بأيهم يستخدمها حين يرتاد المكان، أو ينزل به، أو من هو مشارك له مساحتها..
لكن الذي يعنيه، يثير حفيظته أو يسكن جوانبه هو متى استخدمت، فعليهم إعادة ترتيبها..
كل شيء عنده بمقدار..
الكلام بمقدار، والحركة بمقدار, وتحريك الأشياء بمقدار..
قوام هذا المقدار ميزان..
فهو يزن الوقت، بل يزن السلوك فيه..
للضحك مواعيد, ومناسبات..
للصمت مواعيد, ومناسبات..
حتى تناول الأكل في هذه الحجرة الشاسعة له مواعيده، وهيئته, وكيفية تناول اللقمة، ووضع الطبق, ومسافة اللقمة من الفم.. بل من أين جاءت اللقمة وكيف جاءت..؟
عنده النافذة لا تفتح إلا متى الحاجة للشمس، والتهوية ملحة..
غير أن هناك منفذاً للتهوية لا يغلق..
دوماً يضع لتجديد الهواء خانة في انتباهته، وحرصه..
لكنه يحارب الأغبرة أن تنفذ إلى الحجرة..
يمرر كفه على سطوح الأشياء فيها ضماناً للنظافة من الشوائب..
كل صقيل لامع له ركن في قناعته، ورضاه بما في ذلك طريقة تفكير من يرتادون الحجرة, أو ينزلون بها، أو يشاركونه العيش فيها..
بمعنى أنه وحجرته, ومن معه على كفة ميزان لا يطفف في اكتياله, ولا يستزيد إلا بما يجعله وحجرته, ومن فيها قادرين على التوافق مع ما يأتي ويذهب, ويرد ويزيد، وما فاض أو اختلف فله الباب مشرع ليغادر..
كان ذلك القاطن في الحجرة على ميزان قيمه يعيش، لا ينزل فيهوى به الميزان، ولا يحشو فيثقل بما لا يضيف..
حتى وهن، ضعفت قواه, واندحر صوته, شلت يداه، وعجزت قدماه..
تحول الحال، الحجرة فقدت ترتيبها، والقطع فيها تناقلت في غير أمكنتها..
والنافذة سمحت للأغبرة أن تأوي وتسكن, والميزان رجف, وتهاوى, وبات قطعة مغبرة بجواره..
مكدسة بما لا يمنحه صلاحية..
على كفة هامش ترتج الحجرة.. بما وبمن فيها..
تصك جدرانها ضحكات ساذجة..,
وتتناثر الأطباق ببقايا الأطعمة فيها،
وتعج روائحها..
وتعيث قطعها فوضى وعبثا..!.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855