|
أتعجّبُ أحياناً من كثرة الدعايات المجانية التي تقدمها وسائل الإعلام كلها، من صحف وإذاعات وتلفزيونات، لموقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني (تويتر).. إذ لم تبق وسيلة إعلامية – سعودية تحديداً - إلاّ وقد خصصت لتغريدات تويتر زاوية ثابتة كفقرة أساسية في جدولها اليوميّ.. وربما نتيجة لذلك جاءت (الرياض) المدينة العربية الوحيدة ضمن قائمة ضمَّت أكثر عشر مدن تغريداً من بين مدن العالم، في تقرير صدر عن شركة تويتر مؤخراً، كذلك أكدت دراسة إحصائية أجرتها شركة Global Web Index أن السعودية هي الأولى من حيث معدل الشعوب في استخدام (تويتر) بين دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا خلال الربع الأخير من العام الماضي.. وسبق أن تحدثتُ في مقالة بعنوان (بلا مقابل: هل كنتُ أرسمُ شكلَ تويتر..؟!) منشورة في الجزيرة الثقافية بتاريخ 6 سبتمبر 2012 وشرحتُ فيها – بسخرية بائسة! – قضيتي (المتوهَّمة) مع هذا الموقع الذي سحب كل الأبسطة التي قدمها أصحابها له عن طيب خاطر، غير أنني حتى اللحظة لا أجد جواباً مقنعاً حين يسألني أحدٌ: لماذا لا تشارك الناسَ بالتغريد في تويتر..؟!
بعد هذا التمهيد لما أودّ قوله، أعود إلى أول العنوان (أرشيف الشروق)، والشروق هي مجلة أسبوعية سياسية كانت تصدر في مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكنتُ ملتزماً بكتابة صفحتها الأخيرة تحت عنوان (بلا قيود) لمدة سبع سنوات متواصلة (من منتصف 1997 حتى منتصف 2004)، وأحتفظ حتى الآن بنسخة واحدة فقط من كل أعداد تلك المرحلة من عمري وعمر المجلة التي أظنها توقفت عن الصدور منذ فترة، أو أنها لم تعد توزع في السعودية.. كما أنني كنتُ لا أظن أحداً يحتفظ بعدد منها سواي، لأنها تعنى فقط بمراقبة وتحليل الحراك السياسيّ آنياً، ولم يكن لها أي موقع على الإنترنت، ولكن.. قبل أيام كنتُ أشاهد قناة (اقتصادية) وكانت ككل القنوات لدينا تبث فقرة تعرض فيها بعض (تغريدات) تويتر، ولمحتُ جملة شعرية موقعة باسمي غرَّد بها أحد مغرّدي تويتر، فدفعني الفضول للبحث في أرشيفي عن أصل تلك الجملة القصيرة (ما أجملَ من مات قليلاً/ فالموتُ كثيراً يتعبني) حتى عثرتُ عليها بعد جهد، فلم تكن منشورة في أيّ من دواويني، بل إنها لم تكن مقتطعة من قصيدة أصلاً، بل من إحدى مقالاتي في الشروق التي كنتُ أدمج فيها الشعر بالنثر (بلا قيود) فيا سبحان الله.. حين دفعني الفضول أكثر إلى استكشاف ما يدور في عالم التواصل الاجتماعي هذا، وجدتُ ثمة محرك بحث، ليس كقوقل وغيره من محركات البحث العامة، فهو خاص بالبحث في (تويتر) وليست له (ذاكرة) تحتفظ بالنتائج لأكثر من يومين ربما.. وكأنني وجدتُ ضالتي، لأنه لا يضطرني إلى التسجيل في الموقع. وخلال أيام قليلة راقبتُ فيها ما الذي يستحضره المغردون من بين كل ما كتبتُ في حياتي – كمثال – من مقالات وقصائد.. فكانت النتيجة التي أطالعها تتجدد بشكل يوميّ أنَّ (الشِعرَ) يُقتطف من بين الكلمات المرسلة جميعها ليُحفظ في ذاكرة قارئ متذوّق يعيد طرحه على الناس ولو بعد حين، حتى وإن لم يكن منشوراً إلاّ في صفحة أخيرة من مجلة مغمورة.. وهذا يؤكد مصداقية العبارة التي افتتحتُ بها مقالتي المعنونة (كيفَ يتدنَّى الشِعرُ) المنشورة في الجزيرة الثقافية بتاريخ 7 مارس 2013 حين قلتُ: (للشعر قدرة عجيبة على حفظ نفسه، حتى ولو كانت فرصته من النشر في أضيق الحدود)؛ ولم أكن في مقالتي تلك أتحدث عن هذا الموضوع الذي مثل أمامي الآن ليؤكد أن ما قلته في تلك العبارة لم يكن مجرد تخمين حول مستقبل الشعر الحقيقي، الذي أصبح في واقعنا الفوضويّ الراهنزيزاً ولا يثير ضجيجاً، حتى حسبه بعضُ المتحذلقين من المنظّرين والنقاد قد تدنى وأوشك على التلاشي.. إنما هو مثالٌ حيٌّ من بين أمثلة كثيرة تحيا بيننا، اتخذته من تجربتي التي أحسبها حيةً، حتى وإن كنتُ بمعزلٍ اختياريّ عن حسابات (التواصل الاجتماعي) الذي أراقبه - عن بعدٍ - بصمت!
)))
من ذاكرة (الشروق):
سيدومُ هذا الصمتُ فيكَ،
ومنكَ، حتى تستفزَّ قصيدةً..
كُتبت خطوطاً في يديكَ،
وأنتَ تقبضُ من طلاسِمِها وجودكَ
في المكانْ..
ffnff69@hotmail.com