السِّحْرُ أوْرَقَ في مغاني الطائفِ
ورِياضُهُ جادتْ بِخَيْرِ طرائِفِ
كَتَبَ الجَمالُ بِهِ أرَقَّ صَحائِفِ
فغدا بِفَضْلِ اللهِ مَهْوَى الطَّيِّبينْ
يا طائِفي يا مِحْضَنَ الودِّ الجميلْ
يا مَنْبَتَ الإحْسانِ والخَيرِ الجَزِيلْ
كَمْ فيكَ مِنْ حُسْنٍ ومِنْ فَنٍّ أصيلْ
فَتَصاعَدَتْ بِالشَّدْوِ نَغْماتُ الحَنينْ
الوَرْدُ في جَبَلِ النُّمورِ تَبَرْعَما (1)
وشَذاهُ طافَ على المَصايِفِ والحِما
والعِطْرُ أصْبَحَ في ثَقِيفٍ مَعْلَما
يُهْدَى إلى ساداتِ قَومي النّابِهِينْ
1
يَتَرافَدُ الطَّلْحاتُ في أعْلَى بَرَدْ (2)
يَتَحَلَّقونَ على المَشَبِّ مِن الصَّرَدْ (3)
والغَيْثُ مُنْهَمِرٌ على حُمْرِ الجُدَدْ (4)
ياربِّ عُمَّ بِهِ ديارَ المُسْلمينْ
أنْجَدْتُ في حَضَنٍ وفي وادي كَرَا (5)
وسَريْتُ نَحْوَ ديارِهِمْ فيمَنْ سرَى
وغَبَطْتُ مَنْ سَامَ المَحامِدَ واشْتَرَى
والنّاسُ في دارِ البُقُومِ مُكَرَّمينْ
وأتَيْتُ أَسْألُ عَنْ كَثِيبٍ أحْمَرِ
في دارِ عاتِكَةِ التي بِالأزْهَرِ
والعَرْجُ يَخْلُدُ تحْتَ ليْلٍ مُقْمِرِ
وأُشِيدُ بِالْعَرْجِيِّ والحُبِّ الدَّفِينْ (6)
2
سُبْحانَ مَنْ خَلَقَ المَوَدَّةَ في البَشَرْ
فَتَأَلَّفَتْ وتَآلَفَتْ دُنْيا الحَضَرْ
دَرْءاً لإسْبابِ التَّشَرْذُمِ والخَطَرْ
في وِحْدَةٍ نَبَذَتْ عَدَاواتِ السِّنينْ
يا موْطِنَ الأمْجادِ يا دارَ السُّعودْ
دار المَحبّةِ والمَعَزَّةِ والخُلودْ
كَمْ فيكَ مِنْ فخْرٍ ومِنْ قلْبٍ ودودْ
وعلى رُباكَ تَضَافَرَالشَّعْبُ الأمينْ
****
الهامش:
(1) جبل النّمور: أي الهدا، والنمور من ثقيف، يسكنون الهدا ووادي المحرم.
(2) الطّلْحات: قبيلة من هذيل، وبَرَدْ سلسلة جبال غربي الطائف.
(3) المشبّ: الموقد ( الوجار ) الذي تُشبُّ به النيران للتدفئة، والصَّرَدْ شِدّةُ البرد.
(4) الجُدَدْ: الجِبال، وفي محكم التنزيل (ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ وحُمْرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيب سود)
(5) كرا: وادٍ في تربة.
(6) العَرْجيُّ: نسبة إلى العَرْجِ، والعَرْجُ ضاحيةً من ضواحي الطائف، كان يسكنها الشاعرعبدالله بن
عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، وكان من الشعراء الظّرفاء الأسْخياء ومن الفرسان المعدودين
سجنه والي مكة (محمد بن هشام المخزومي لأنه شَبّب بأمه ومما قال فيها:
(عوجي علينا ربة الهودج
إنكَ ألآ تفعلي تحرجي)
(نلبثُ حَولآ كاملآ كلّهُ
ما نلتقي إلآ على منهجِ)
ومكث في سجن محمد بن هشام تسع سنوات حتى مات، وهو القائلُ في سجنه:
( أضاعوني وأيُّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسَدادِ ثَغْرِ)
وقولي: وأتيت أسألُ عن كثيبٍ أحمرِ
في دارِ عاتكةِ التي بالأزْهَرِ
إشارة إلى قول العَرَجي:
يادار عاتكة التي بالأزهرِ
أو فوقه بقفا الكثيبِ الأحمرِ
إلى أن يقول: فتلازما عند الفراق صبابةً
أخْذَ الغريمِ بِفضْلِ ثوبِ المُعْسِرِ
عبد القادر بن عبد الحي كمال