في منصف عام 2008م كنت مشاركاً بمؤتمر علمي في اندونيسيا، وفي المطار استقبلتنا اللجنة المنظمة المكلفة بهذه المهمة، وصحبني إلى الفندق ضيف آخر أعتقد أنه أستاذ جامعي موريتاني،، وفي الطريق كان يتحدث معي بكل فخر واعتزاز عن تجربته التدريس في إحدى الجامعات الليبية والتي استمرت قرابة العشر سنوات،، كان فيها - كما يقول هو عن نفسه - قريبا من الرئيس القذافي، والذي كان يجل العلم ويقدر العلماء ويلتقي بالأساتذة الأجانب أمثاله في رمضان، على مائدة إفطار خاصة بهم، يلاطفهم ويتلمس حاجياتهم ويتحدث لهم ويتحدثون معه، في المقابل كان يُعرّض بنا وكأنه يوجه الاتهام للقيادات العربية عموماً والخليجية خصوصاً وعلى وجه أخص حكام المملكة العربية السعودية، فهم في اعتقاده لا يهتمون بهذه الفئة في المجتمع ولا يحتفون بهم خاصة عندما يكون عضو هيئة التدريس من جنسية أخرى عربية أو إسلامية خلاف الأوروبية الغربية فضلاً عن طلاب الجامعات غير السعوديين!!.
طبعاً كان هذا استنتاج شخصي منه، أو أنه غُذي به من قبل النظام الليبي السابق وهو الأقرب عندي، أو أنه أراد أن يستدرجني بالكلام ليعرف طرفاً عن طبيعة العلاقة بين أساتذة الجامعات وطلابها ومنسوبيها والقيادة السياسية في المملكة العربية السعودية،، الشاهد أن هناك من يحمل هذه النظرة عنا في عدد من بلاد عالمنا العربي والإسلامي،، ولذلك فإنني شخصياً أقرأ تجربة الجامعة الإسلامية التي تحتضن هذه الأيام في كلياتها المختلفة طلاباً من مائة وستين دولة، وتخرج فيها من قبل ستون ألف طالباً ينتمون إلى أكثر من مائتين دولة، أقول هنا.. إنني أقرأ هذه التجربة قراءة إيجابية بامتياز، فهي في نظري تجربة رائدة ورائعة ذات بعد معرفي وسياسي متميز،، فاستقطاب أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء وأصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة لإلقاء محاضرات عامة، وإحضار طلاب الجامعة “الأجانب” وإشراكهم في التنظيم والتحدث والسؤال والتعليق بل وحتى التصوير وتناول طعام العشاء، سيكون له وقع كبير في عالم هؤلاء الطلاب الشخصي، وقد تتجاوز آثار هذه المناسبات العلمية المصطفاة بعناية وبراعة فريدة الصعيد الذاتي والعائلي لهؤلاء الطلاب إلى أفق أرحب في عالم هذا المغترب فضلاً عن عضو هيئة التدريس والزائر الأجنبي والمدعو للتشرف بالحضور.
لقد كان ضيف الجامعة الأسبوع الماضي صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع،، متحدثاً عن فقيد الأمة سلطان بن عبد العزيز رحمه الله الذي عُرف ب”سلطان الخير” ونُعت ب “سلطان الجود”، لقد عرفنا نحن أبناء هذا الوطن المعطاء هذا الرجل الإنسان وجهاً منيراً بالبسمة.. بحراً من الجود والكرم.. يداً حافلة بالعطاء.. مؤسسة خيرية بذاته.. كل هذا في إنسانية فريدة وقيم عالية رشيدة أسرت الكثير.. كم بدد “سلطان الخير” رحمه الله رحمة واسعة ظلمة العوز عن المحتاجين.. كم محا تعاسة اليأس عن محيا الكثيرين.. كم فتح باب الأمل والرجاء أمام آخرين.. كم ذلل من صعوبات.. كم هون من عقبات.. وكم.. وكم..بتوفيق من الله، ثم بما عرف عنه رحمه الله من حنو أبوي ومودة إنسانية متميزة.. وتبرهن البيوت المنزوية، والبطون الجائعة، والأبدان المريضة، على أياديه البيضاء التي امتدت لتمسح دمعة، وتواسي مصاباً، وتؤازر محتاجاً، وتنقل مريضاً، وتتكفل بعلاجه، وتدلل الحوادث والوقائع الشخصية والمجتمعية الداخلية والخارجية على مواقفه التي كان لها أبلغ الأثر وأقواه في نفوس الكثيرين الذين مستهم الضراء وحلت بساحتهم البلوى ولم يكن لهم - بعد الله - سوى رجل البذل والبر والعطاء سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وما الشعر والنثر، وما القول والقلم، وما اللوحات الرائعة والإبداعات الفذة، وما.. التي باحت وسطرت ورسمت ملامح هذه الشخصية الرمز عبر سنوات من عمر هذا الوطن المعطاء إلا شاهد على ما نقول، وما هو في رحم الغيب أكثر وأشمل والله أعلى وأعلم، وإن كانت الشمس المشرقة لا تحتاج إلى برهان أو دليل إلا أنني أجزم أن في ذاكرة كل منا مئات الأدلة، وآلاف من البراهين.. قصص وحكايات لن تفيها حقها الكلمات ولن تحيط بها الكتب والدواوين والمحاضرات والمؤتمرات والأمسيات.. لقد كان أملنا كبيراً أن يعيش بيننا هذا الرجل الإنسان سنوات من العمر المديد وهو يرفل بثوب الصحة والسعادة والرفاه، ولكنها باختصار أقدار الله المؤلمة التي تجري على الجميع في هذه الدنيا.. إنه الموت الذي قضاه الله على جميع خلقه بلا استثناء وكل منا له أجل مكتوب {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَ بِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، رحمك الله سلطان الجود والبذل والير والعطاء ونور عليك في قبرك وأسكنك فسيح جناته.. بقي أن أشير هنا إلى أن الواجب علينا في حق هذا الرجل الألف وقد رحل من هذه الدنيا.. الدعاء له.. والترحم عليه.. وذكر محاسنه.. ونشر مآثره.. والاستفادة من منجزاته.. والعمل على إكمال مسيرته.. والإشادة بمواقفه والافتخار بأفعاله.. حفظ الله قادتنا.. وجمع كلمتهم على الحق.. وأعلا رايتهم في كل حين.. ونصرهم على كل عدو.. ووقانا وبلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن..
- شكراً صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع
- شكراً أمير منطقة المدينة المنورة صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبد العزيز.
- شكراً أسرة الجامعة الإسلامية وعلى رأسها صاحب المعالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا على كرم الضيافة وحسن الترتيب.
- شكراً لمن داخل وعلق وشارك شعراً ونثراً وتقديماً وإبداعاً وتصويراً وإخراجاً وتذكيراً بالأحداث والمواقف والحكايات.
- والشكر موصول لمن شرفني بهذه الدعوة الكريمة
دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.