من المعروف أنه لكلِّ دور خصائص معيّنة ترجع إلى المؤسسة التي ينتمي إليها الشخص، وطبيعة النشاط الذي تقوم به ومدى حساسيته وتأثيره في المجتمع، ولكن دور المعلم ينفرد بخصائص تضفي على دوره حساسية من نوع خاص، وأذكر من هذه الخصائص ما يلي:
1- دور المعلم من الأدوار التي يصعب تحديدها فنحن عندما نقول إن دور شخص ما محدد، فهذا يعني أن هناك أعمالاً محددة مطلوبة من هذا الشخص، وأن هناك وقتاً معيناً تستغرق هذه الأعمال، وأن القائم بالدور له خبرات متخصصة سهلة لتحديد الوصف، ونحن إذا نظرنا إلى كل ذلك في حالة المعلم، نجد أنه من الصعب تحديد الأعمال التي يقوم بها أو الوقت الذي تستغرقه أو الخبرات المطلوبة لأدائها، ذلك لأن عمل المعلم يرتبط بوظيفة التطبيع الاجتماعي للتلاميذ وتكوين القيم والتفكير وبناء الشخصية ككل، وكل هذا غير محدد، ويمكن القول بأن التزامات الدور بالنسبة للمعلم واسعة ومن الصعب تحديدها.
2- يختلف دور المعلم عن أدوار أصحاب المهن الأخرى، في أنه يتعامل مع أفراد في مرحلة التشكيل والتكوين، وتنقصهم الدراية والخبرة، والمعلم بالنسبة لهم هو النموذج والقدوة والمثل الأعلى، وهذا الموقف يضفي حساسية خاصة على دور المعلم، فإنك عندما تذهب إلى الطبيب لا تذهب إليه لتتخذ منه قدوة أو مثلاً أعلى، إنك ذهبت إليه لمساعدتك في شفاء مرضك، وفي هذه الحالة تنتهي العلاقة بينك وبين الطبيب في أحسن الأحوال في تناول الدواء وتحقيق الشفاء، ولكن المسألة بالنسبة للمعلم شيء مختلف، فما زلت أتذكر أن معلمة كانت سبباً في نجاح وتفوق طالبة ما أو كانت سبباً في فشلها، فالعلاقة بين التلميذ والمعلم، لا تنتهي بانتهاء الموقف، فدور المعلم يؤثر في تشكيل شخصية الطلاب ويتدخل إلى حد كبير في تشكيل مستقبلهم.
3- الأفراد الذين يتعامل معهم المعلم لا صلة لهم في اختياره، فالتلميذ ليست لديه الفرصة في أغلب الأحيان لاختيار المعلم الذي يقوم بالتدريس له، فالتلميذ مثلاً لا يستطيع أن يختار المعلم واسع الأفق ورفض المعلم محدود النظر، كما يحدث مع كثير من أصحاب المهن الأخرى، فأنا أختار الطبيب الذي أعالج عنده، وهذا يعني أن الطبيب الماهر هو فقط الذي يحظى بالتأثير في حياة الناس ومصالحهم، حيث يبتعدون عن الطبيب من ذوي الكفاءة المنخفضة، ولكن الوضع في حالة التعليم لا مجال فيه لاختيار المعلم الكفء ورفض غير الكفء، ولكن القاعدة الأساسية بالنسبة للمعلمين أن يؤدوا دورهم بكفاءة وهذا يفترض أن يكون جميع المعلمين على درجة عالية من الكفاءة والتميّز.
4- يعتمد المعلم بدوره على مقومات شخصيته وعلى علمه وثقافته واتساع أفقه بحيث تنبع سلطته من كونه أهلاً للرأي كسلطة الشرطي مثلاً، وهذا بالطبع يتطلّب من المعلم خصائص شخصية واجتماعية تؤهله للقيام بدوره والتأثير في تلاميذه.
5- كذلك يختلف المعلم عن أصحاب المهن الأخرى في أنه يتعامل مع الآلاف من تلاميذ المدارس وغيرهم، بينما نجد الطبيب أو المهندس يتعامل مع آحاد الناس، لذا فإنّ دور المعلم ذو أهمية متفرّدة لاتساع تأثيره في الناس، ومن ناحية أخرى يعتبر هو مسؤولاً عن تنشئة الطبيب والمهندس ورجل الأعمال وكافة الأشخاص في المهن الأخرى، ويعزى إلى المعلمين أي نقص أو قصور في تربية كل هؤلاء.
مما سبق يتبيّن أنّ دور المعلم من الأدوار ذات الأهمية الخاصة في المجتمع، كما يتميز بخصائص تجعله يختلف عن أدوار الآخرين، مما يوجب معه على كليات التربية ووزارة التربية، وضع هذه الخصائص في الاعتبار عند إعداد المعلم قبل الخدمة وتدريبه أثناء الخدمة .. فهل يتحقق ذلك؟
- القويعية