يرى المهتمون بتاريخ الثقافة العربية أن ما وصلنا من كنوز هذه الثقافة عبر التاريخ قليلٌ جداً وذلك بالقياس إلى ما أبدعه العلماء العرب والمسلمون، فقد كانت هذه الإبداعات ضحية للظروف القلقة الصاخبة في العواصم والأقاليم العربية والإسلامية التي شهدت نهضة ثقافية كبرى لكنها عانت من الغزو الأجنبي كما حدث لبغداد عندما احتلها المغول وأحرقوا مكتباتها وقضوا على المخطوطات التي لا تعد ولا تحصى.
وبعد أن تمزقت وحدة العالم العربي والإسلامي وغطست بعض أجزائه في عزلة لم يعد من الممكن حتى معرفة ما تحتويه المكتبات والمساجد والزوايا من مخطوطات.. وأتذكر ما قاله المرحوم الدكتور صلاح الدين المنجد في محاضرة ألقاها منذ زمن بعيد في مدينة جدة من أن هناك ثروة معرفية وفكرية هائلة تزخر بها المخطوطات المنسية في الزوايا والمساجد في قرى وبلدات كثيرة في المغرب وموريتانيا والشمال الإفريقي. وقال، رحمه الله، إن تلك المخطوطات عرضة للضياع والتلف بسبب الظروف البيئية الطبيعية وبسبب ما تتعرض له من إهمال عندما تنتقل عبر الأجيال إلى ورثة قد لا يدركون قيمتها.
وقبل أيام نقل الأستاذ حسين الحربي في جريدة «الشرق» عن الباحث السعودي راشد العساكر كلاماً مهماً عن أوضاع المخطوطات العربية والإسلامية في الهند، وبعضها يتعلق بتاريخ الجزيرة العربية يعود إلى الفترة المهمة التي سيطر فيها الاستعمار الإنجليزي على الهند وعلى بعض أقاليم المنطقة، فضلاً عن مخطوطات قديمة يعود تاريخها إلى مئات السنين. وقال الباحث إن وزارة التعليم العالي كان لديها مشروع رُصِدت له ميزانية تصل إلى عشرين مليون ريال لتصوير وترميم بعض هذه المخطوطات، إلا أن المشروع تعثر وتوقف.
لكن الجديد في الموضوع هو أن إيران أصبحت هي الجهة المهتمة بهذه المخطوطات وقد أنشأت مركزاً كبيراً في مدينة دلهي يهتم بجمع المخطوطات والتراث الإسلامي واستطاع هذا المركز تصوير عشرات الآلاف من المخطوطات التي يتعلق بعضها بتاريخ الجزيرة العربية.
أرجو أن لا يأتي الوقت الذي نضطر فيها للبحث عن تاريخنا في مخطوطات الأرشيف الإيراني.. ومن يدري فقد تختفي بعض هذه المخطوطات بشكل مقصود وليس مثلما كانت تختفي في السابق. إنني لا أجد أي عذر لنا في عدم الاهتمام بالمخطوطات المتاحة في الهند أو غير الهند، فنحن نملك القدرة على تمويل مشروعات جمع وترميم المخطوطات ولدينا باحثون متحمسون لأداء مثل هذه المهمة ولا يصح أن نتركها لغيرنا، وخاصة عندما تكون هناك أجندات سياسية وراء اهتمام دولة مثل إيران بهذه المخطوطات؛ فهل نتحرك قبل فوات الأوان؟.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض