(1)
ليس أجمل من الأصدقاء، لاغنى لأي منا عنهم، عن أصواتهم، إيقاع خطواتهم، دفء أحاديثهم، ملامح أرواحهم، ليس منا من لا تحوي حياته صديقاً واحداً على الأقل، لكن ثمة صديق شديد الأصالة، لا يكذب، لا يخدع، لا يتعب ولا يخون، ذلكم هو الكتاب..
يا للسعادة! حين يكون صديقك الكتاب ذاته، تعاتبه، تناجيه، تشتاقه..
في هذا السياق، ضمن إطار تلك العلاقة المختلفة بيني وبين نكهة الكلمات، أعكف هذه الأيام على إنجاز مهمة سرية، هي إحدى عاداتي المفضلة.. “سرية” تبدو الكلمة مثيرة محرضة على التساؤل حول ماهية هذه السرية؟!.. أقرأ كتاباً حتى الآن يبدو فاتناً ومدهشاً، هكذا أفعل حين يسعدني الحظ بأن ألتقي كتاباً مختلفاً، لا أحب البوح باسمه حتى أنتهي منه، لا لشيء وإنما لكي أكتشفه بنفسي مباشرة بلا وسيط، بعد إتمامه، إما أشهق دهشة أو أعلن إعجابي بهدوء، وأحياناً يخيب أملي فيه فأفضل الصمت عنه حتى إشعار آخر.
* * *
(2)
رحم الله أبي، نظر إلي يوماً بشيء من الهلع حتى خيل إلي بأني سمعت شهقته كنت حينها مستغرقة في قراءة كتاب لأحد المؤلفين الأدباء الذي يبدو في أسلوبه ميلاً شديداً إلى الفلسفة والدعوة للتأمل وأيضاً في الزهد في الكثير من مباهج الحياة، كنت حينها في مطلع العشرينات من العمر..
قال لي حينها: هذا الكاتب حين تقرأينه سيجعل الدنيا سوداء في عينيك، كان حريصاً ألا أرى ولا أقرأ ولا أعايش إلا بياضاً، أتذكر ذلك الحوار اليوم وقد ازداد يقيني اليوم بحقيقة هامة، إن استطاع أحدنا الحفاظ على نقاء روحه رغم رداءة الكثير مما يحدث سواء على مستوى الحياة الشخصية أو على مستوى العالم فذلك هو قمة التفوق والتحدي للذات أولاً.
* * *
(3)
هناك تأثير كبير للبيئة الصحراوية على سلوكياتنا وأخلاقنا كان ذلك في الماضي أكثر وضوحاً نظراً لأن الناس كانوا يعيشون في الخيام وسط الصحاري، مع مرور الوقت للأسف لا يزال بقايا هذا التأثير موجوداً لدى البعض، ثمة مشكلة في الجذور، في التربية وبناء الفرد، لدينا للأسف الكثير من النفسيات العجيبة وهي تحتاج إلى مجهود ووقت طويل للتغيير.
* * *
(4)
أكاد أقسم بأن في الغروب شيء ما خفي حين يقبل وإلا لماذا حين يقبل إليك تشعر بأن شيئاً ما في داخلك يتغير؟!
حين كنا صغاراً كانوا يحذروننا وقت الغروب “المسيان” من الصراخ أو البكاء أو ممارسة أي نوع من الصخب، لا بد من التزام الهدوء! لعل أسوأ ما يحدث لك أن تكون فارغاً وحيداً حينها لتأمل تلك اللحظات.