دعونا نقرّر من الناحية التاريخية للدولة العراقية، التأكيد على حق الشعب العراقي في ممارسة حق التظاهر المشروع، منذ أن تأسست الدولة العراقية في عام 1921م، فكانت المظاهرات السلمية وسيلتهم المشروعة في المطالبة بحقوقهم المدنية، والسلمية، والاستجابة لمطالبهم المشروعة، كالاحتجاج على واقع سياسي معيّن، أو المطالبة بتحسين الظروف الاقتصادية، أو التأكيد على حق العدل، والمساواة بين أفراد الشعب، ومكوناته، ما لم تخرج تلك المظاهرات عن غاياتها في التعبير السلمي إلى نطاق يهدّد وحدة المجتمع، ويعصف باستقراره، وهو ما لم يحدث في المشهد الأخير في الفلوجة، وبالتالي فإن الدولة تتحمّل المسؤولية الكاملة عن اتخاذ كافة الخطوات الضرورية؛ لحماية أولئك الذين يدافعون عن حقوقهم، ويطالبون بها.
إلا أن واقع الدولة العراقية اليوم، يؤكد على أن سياسات نوري المالكي المجحفة، تتمادى مع الأسف في قتل المتظاهرين السلميين بدم بارد، من الذين طالبوا بتغيير الأوضاع؛ ليضطهد شعبه، ويسلب إرادته بقوة الحديد، والنار. وتلك سياسة بلا شك لا تخدم بناء عراق عادل، بل تضر بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
يحتاج نوري المالكي إلى إظهار إرادته السياسية؛ لإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة، وتجاوز السلبيات القمعية، التي وقع بها في طريقة الحكم، وتقنين الثروات المهدرة، ووقف الممارسات الخاطئة، وإدارة الدولة وفق مصالحها العليا، حينها فقط سيكون قادراً على تجنب المزيد من القتلى، وكسر إرث انتهاكات الماضي. وما حدث قبل أيام في مدينة الفلوجة، دليل على أن هناك أطرافاً مسؤولة عمَّا حدث، كبعض القوى السياسية، والأمنية، التي وقفت فوق الجثث البريئة، والدماء الزكية، لمصالح حزبية، ومذهبية ضيِّقة، فمظاهرات الفلوجة لم تكن مخالفة للدستور، أو الاتفاقات المحلية، أو الأعراف الدولية، بل كانت متوافقة مع بنود الدستور العراقي.
إن ممارسة أبشع أنواع جرائم القمع الممنهج، والعنف المفرط في التعامل مع التظاهرات السلمية في الفلوجة، الأمر الذي خلف عشرات القتلى، والجرحى من المتظاهرين، جريمة يُعاقب عليها القانون، وخصوصاً عندما تقابل برد فعل انعكاسي، يكون بعيداً عن احتواء المتظاهرين، بما يخفّف من حدة توترهم، وغضبهم، أو ضرورة التفاوض السلمي معهم، واتباع سياسة النفس الطويل، والتحلّي بالصبر، وهو ما أكَّده عالم الدين السني البارز الشيخ عبد الملك السعدي، حين اتهم رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، بـ: «محاولة تحويل التظاهرات السلمية إلى دموية، من خلال قتل المتظاهرين».
بقي أن يقال: إن العمل على فتح حوار حقيقي، ومنظّم مع القوى السياسية، والحركات الوطنية، والتوافق معها على مرتكزات إدارة المرحلة الانتقالية، والمرتبطة بتغيير حكومة نوري المالكي، وعدم التجديد لفترة انتخابية ثالثة، بما يخدم المسيرة السياسية، التي يقرها الدستور العراقي بشكل واضح، أصبحت حقوقاً مشروعة للشعب العراقي؛ لوضع خارطة طريق تنقذ العراق من هذه المحنة التي يمر بها. وخلاف ذلك، سيترتب عليه حرب أهلية، لا يعلم مدى خطورتها، وكيفية الخروج منها إلا الله تعالى.
drsasq@gmail.com