خالد، طفل بين خمسة عشرة من الإخوة، من المفترض أن يكون آخر العنقود المدلل، ولكنه حمل طوال حياته لقب “الغلطة”، كان ينام فوق السطح مُتلحفاً بالسماء، مفترشاً الحصيف، ذات يوم لمح في الأفق البعيد نجماً برّاقاً، حلم بأن يمسه بيديه، يلبسه تاجاً، أو ياكله في بطنه لتُشع نوراً، ظل ذاك الحلم يراود الطفل حتى أصبح شاباً يافعاً، قرر أن يخبر الجميع بحلمه.
في اليوم الأول: بلّغ أمه بأنه يريد أن يصبح رائد فضاء، يريد تقبيل أعتاب السماء التي احتضنته واحتضنها طويلاً، فقالت له:” بالله عليك لا تضيّع وقتي بهذيانك، نحن ما تحضنّا إلا قبورنا”، غصّ خالد بحديثها وانصرف.
في اليوم الثاني: أخبر والده بحلمه، نظر والده بشزر ثم قال: “نحن مانوسّخ السماء بأغلاطنا، ترا مانت صاير غير رائد مركبة تاكسي”، ذُرِفت دمعة من إحدى عيني خالد وانصرف.
في اليوم الثالث:حكى خالد لمعلمه عن حلمه الأزلي، فقال له: “رائد فضاء وفي بلادنا! لو أنك في أمريكا كان أبرك، روح الله يهديك روح”، ذرفت عينه الثانية دمعة.
في اليوم الرابع: اجتمع مع أصدقائه على قارعة الطريق وحكي لهم عن ما تبقى من حلمه فقال أحدهم” نحن ما حوتنا أرض، تبي تحوينا سما؟ خذ واشرب هذه السجارة تعدّل مزاجك”، تناول خالد السيجارة حابساً دموعه في عينيه ليحافظ على رجولته أمام أصدقائه، عاد الى منزله يتطوّح من تأثيرها، وجد والده في انتظاره، انهال عليه ضربا قائل:”هذه تربيتي!” ردّ خالد “ إنت ما ربيتني، أنا رباني الخواء”، فما كان من والده إلا طرده من المنزل.
اليوم الخامس: خالد نائم في مدخل أزقة، استيقظ على صوت يناديه: من أنت يا بُني وما الذي أتى بك هنا، أنا خالد، أتيت هنا لان والدي طردني، ولماذا طردك، تخيل! لأنني حلمت أن أكون رائد فضاء، سأحقق لك حلمك، أتسخر مني؟، أقسم بمن خلق الفضاء بأنني لا أسخر، تعال معي لأعرفك على بعض الأصدقاء، دخلوا على مجلس مكتظ بالرجال، فأخذ الرجل يُعرّف بخالد:هذا خالد ابن الوليد، حلمه أن يصعد الفضاء، قال أحدهم:حيالله خالد بن الوليد، تبدو على وجهك علامات الذكاء والفطنة، سنرسلك إلى أعلى من الفضاء وسنزوجك وسنضمن لك نعيماً دائما لا ينقطع، تهلل وجه خالد، فقال الرجل: موعد التدريب غداً.
اليوم السادس: بدأ التدريب على الإقلاع، بأن يربط في خصره حزام ويُحلّق بيديه عالياً قائلا: الله أكبر ها أنا أتحرر.
اليوم السابع: وقف في الميدان ليشهد على تحقيق حلمه الأنام، كبس الزرّ، طار في الهواء ولكنه أجزاء، انساب على الأرض ما تبقى من دموعه الحمراء.
نظر مدربه بحنق ثم قال: رحمه الله لم يصب الهدف، كنت أنوي الخلاص من عدوّ الله ذاك الشرطي، لكن يبدو أن الفتاتين والشاب كانوا على علاقة مشبوهة فأراد الله للفساد أن ينتهي على أيدينا!!
- ملاك سالم باسليمان