تاريخ الأمم في شتى بقاع الأرض وعبر مختلف الأزمنة التي مرت على البشرية وحتى يومنا هذا، كان ولازال فيها مكانٌ للثنائيات التي تمثل في جوهرها ظروف ومعطيات أي مجتمعٍ من المجتمعات... تُضافُ إلى قاموس تاريخه وتبقى للتداول كالسياسة مقابل الدين والأصالة في صدامها مع الحداثة، وجدلية الصراع بين العنف واللاعنف.. الثنائيات كثيرة وقائمة ولا يمكن إلغاؤها من بواطن أي مجتمع إلاّ أنها تظل متباينة من مجتمع لآخر.
تُسهب الأقلام في الكتابة عن هذه الثنائيات.. وتتناولها شرحاً وتفصيلاً لحظة انتشارها وتوقدها.. وتبقى كذلك إلى أن يخبوَ الحماسُ حولها إما بتلاشيها وانتهائها.. أو تقبلها كواقع لا مفر منه.. أو تبقى في حالة جدالٍ وصراعٍ إنساني لا ينتهي كجدلية الصراع بين العنف واللاعنف.
بالعودة إلى تاريخ المجتمع البشري، نجد أنّ العنف ترافق تاريخياً مع نشأة مجتمع البشر.. ولا أبالغ إنْ ذكرت بأنه ساهم في صياغة تاريخ كثير من الأمم.. لكن مع كل تطوّر للبشرية اتخذ العنف مسارات أكثر اختلافاً تبعاً للأدوات المستخدمة في مجمل النزاعات التي كانت قائمة.. لهذا كان لكل قفزة علمية جذور خفية تتعلق بالسلاح منذ حجر الصوان إلى ثورة المعلومات، قفزة جعلت الموت وبشكلٍ عام هو المنتصر الأول والأخير في النزاعات البشرية.
لن أتناول جدلية العنف واللاعنف في الحياة الاجتماعية.. ولا في البيئة الأسرية ولا حتى البيئة المدرسية ولا.. ولا.. الخ، فهذه كلها أفرِدتْ لها صفحات وصفحات، تناولها الكثر جملة وتفصيلاً، ويبدو أنّ إيجاد حلولٍ لها بات عسيراً لكن سأعود إلى مقولة مفادُها [إذا لم نقمْ السلام في دواخل نفوسنا فلن يكون هناك سلامٌ في العالم] هي رسالة لإيجاد عالمٍ خالٍ من العنف والتمييز والهيمنة، وهذا بعيد المنال بل من المستحيل تحقيقه، طالما أن الكثير من المجتمعات تواجه عنفاً سلطوياً يقمع الحريات ويمنع الحقوق الإنسانية... وطالما أنّ هناك عنفاً تمارسه قوى خارجية ضد دولٍ معيّنة لتحقيق مطامع اقتصادية واستراتيجية... أو عنفاً استبدادياً كما هو حاصل في بعض بلدان الوطن العربي.. أو عنفَ العولمة الاقتصادية التي فرضت وجودها بقوة على ملايين الفقراء والمهمشين في العالم.. فمتى تتخلّى البشرية عن أسلوب العنف كوسيلة للإقناع والتغيير..!!؟؟
الشعوب لم تَعُد تأمن على حقوقها إلاّ بالمعاناة، ويبدو أنّ الكثير وبالأخص في الوطن العربي، لم يستوعب جيداً فكرة صراع ولديْ آدم هابيل وقابيل كأسلوب لحل مشكلات الصراع الإنساني... فأحدهما استخدم أسلوب العنف بارتكابه جريمة قتل أخيه.. في حين أنّ الآخر كان اللاعنف سياسة أسلوبه أمام التهديد بالقتل، فلم يدافع عن نفسه وهذا ما تضمّنته الآية [28 سورة المائدة] {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.
سياق الحياة أحدث شرخاً عميقاً بين السياسة وعمق الجذور الأخلاقية، وأضحى واقع حال العالم بحكم تحكم المصالح المادية والإستراتيجية به وتشابكها معه مُلَوثاً ومخيفاً إلى حدٍ كبير...!!
استوقفتني بعض عبارات المهاتما غاندي وأنا أقرأ ترجمة لكتاب [كتابات وأقوال لغاندي] يقول فيها اللاعنف شريعة الجنس البشري بينما العنف شريعة البهائم.. وشريعة الروح الغافية في قلب العنيف الذي لا يعرف سوى القوة الجسدية.. لكن كرامة الإنسان تتطلّب الطاعة لقانونٍ أسمى هو قوة الروح، أجد نفسي أمام هذه العبارات أتأمّل عالماً يتحكم فيه الطغيان والمراوغة الاستغلال والصدامات الطائفية، صراعات المصالح وعنف الاحتلال والإبادة.. ومن يرفع السيف بالسيف يُقتل والموت هو المنتصر وهذه هي مأساة الشعوب.. فهل يأتي يوم نشهد فيه انتصار اللاعنف على العنف...؟
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia