بعد أن صدر له كتابه الأول (دبلوماسي من طيبة: محطات في رحلة العمر) قبل سنوات قليلة، يأتي الكتاب الصادر حديثاً (قضايا ومواقف في الفكر والسياسة) لمعالي وزير الدولة للشئون الخارجية د. نزار عبيد مدني استكمالاً لرحلته التأليفية، وخاصة أن هذا الكتاب الجديد يقدم فيه د. نزار مدني آراءه في المواقف العامة وهي أيضاً تمثل خلاصة تجربته الطويلة والممتدة في العمل الدبلوماسي والسياسي.
يقدم د. نزار تعريفاً للكتاب يقول فيه: يضم هذا الكتاب بين دفتيه مجموعة من الدراسات والمقالات سبق نشر بعضها، والبعض الآخر لم يقدر له النشر لسبب أو لآخر.
ولقد حرصت جاهداً على الإبقاء على نصوص هذه الدراسات والمقالات بالصيغة نفسها التي كتبت بها في الأساس دون تعديل في مضمونها، أو تغيير في أسلوبها، أو تحديث في معلوماتها، في حين أضفت إلى البعض الآخر أو حذفت منه ما استدعته مقتضيات النشر في كتاب، ولكن كان بشكل طفيف جداً لم يؤثر على النص الأصلي أو يغير فحواه وبنيانه شيئا مذكورا، وكان هدفي من ذلك هو امتاع القارئ بتمكينه من رؤية ما تحقق وما لم يتحقق من رؤى وأفكار وتوقعات بالنسبة للقضايا التي تضمنتها تلك الدراسات والمقالات، وذلك في خلال المدة منذ وقت تأليفها وحتى ظهورها في هذا الكتاب.. وهي مدة تجاوزت في بعض الحالات خمسة عشر عاماً.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فعلى الرغم من أن هذه المقالات والدراسات تعالج موضوعات مستقلة، وتتناول قضايا تتوزع بين اهتمامات قطرية وقمية ودولية وفكرية مختلفة، إلا أنها، في واقع الأمر، تتسق في خيط واحد، وترتكز على محور مشترك يسعى نحو ربط الفكر بالواقع وتغذية الواقع للفكر بالنسبة للقضايا المطروحة، سواء على الصعيد الوطني أو العربي أو الإسلامي أو الدولي، كما أنها تؤكد علة حقيقة أنه على الرغم من طول المدة التي انقضت على تأليفها فإنها لا تزال تلامس اهتمامات الناس وتشغل بالهم وفكرهم وتتعلق بمصيرهم ومستقبلهم.
بيد أن هذه التوضيحات وإن كانت ضرورية ولازمة، إلا أنها لا تغني عن الإجابة على التساؤل الذي لابد وأن يطرأ على الأذهان وهو: ما الأسباب التي دفعتني إلى تجميع هذه الدراسات والمقالات ونشرها في كتاب واحد بعد مضي هذه المدة الطوية؟.. وهنا أكاد أجزم أن ذلك ينحصر في سببين: أحدهما شكلي والآخر موضوعي.
أما السبب الشكلي، فإنه يتلاقى مع حقيقة لا مفر من التسليم بها والكون إليها، وهي أن هناك فرقاً كبيراً بين تأثير الصحيفة أو المجلة وتأثير الكتاب على القارئ، فنحن نتصفح الجرائد والمجلات في دقائق معدودة، وقد نقرأ فيها خبراً سريعاً، أو نقتطف منها تحليلاً موجزاً، أو يلفت انتباهنا مقالة أو مقالتان حول هذا الحدث أو ذاك.. ولكننا لا نلبث أن نلقي بها جانباً ملتفتين إلى شئون وأمور وقضايا أخرى، تزخر بها حياة الفرد منا، وتستحوذ على اهتمامه وتملك عليه لبه وتفكيره، وربما جلب الواحد منا مجلة واحتفظ بها أسبوعاً أو أسبوعين يلم بما احتوته من صنوف الأخبار والمعارف وألوان الثقافات والعلوم والفنون، ومع ذلك فإن مصيرها في نهاية الأمر يظل هو مصير الصحيفة ومالها المال نفسه.
أما الكتاب فنحن حين نقتنيه إنما نقصد زيادة معرفتنا في أمر أو أمور تهمنا، وتكريس اهتمامنا في قضية أو قضايا تشغانا، لذلك فإننا حين نقتنيه ثم ننصرف إلى قراءته نتخفف من مشاغلنا ونحتشد إليه احتشاداً، وربما عمدنا إلى إبراز بعض الأفكار التي احتواها الكتاب وتخصيصها بالاهتمام إذا صادفت في نفوسنا هوى، أو لاقت إعجاباً، أو حازت قبولاً ونالت رضا، فإذا انتهينا من كل ذلك ربما لجأنا إلى الحديث عنه ونقلنا معلوماته واحتكمنا إلى مضامينه، وناقشنا موضوعاته مع غيرنا من المهتمين بها والمتابعين لها، والأهم من ذلك كله هو أن دور الكتاب لا ينتهي عند هذا الحد، بل إنه موجود في بيوتنا، وقابع في مكتباتنا الخاصة مرجعاً ما نعتز باقتنائه ونستفيد بما حصلنا منه من علوم ومنافع، ونثمن ما أضافه إلى أذهاننا وعقولنا من معلومات وآراء وأفكار.
هذا ما كان من شأن السبب الشكلي، أما السبب الموضوعي، وهو الأهم، فإنه يتصل بحقيقة أن الموضوعات والقضايا التي تضمنتها هذه الدراسات والمقالات كانت ولا تزال أثيرة لديّ ومحببة إلى نفسي خاصة، وقد عكفت على دراستها ومحاولة سبر أغوارها والإلمام بأبعادها منذ أمد بعيد، تمكنت خلاله من أن أكّون لنفسي منهجاً معيناً ومنظوراً أو إطاراً فكرياً محدداً في كيفية تناولها ومعالجة جوانبها وأبعادها.
وإذ اعترف بأن ما توصلت إليه من نتائج ونظريات تضمنتها تلك الدراسات والمقالات تظل في نهاية المطاف مجر اجتهادات لا يمكن بحال من الأحوال أن تصل إلى الكمال، أو ترقى بشكل من الأشكال إلى اليقين، إلا أنني أزعم أنها تطرح أبحاثاً غير مسبوقة في موضوعها، وتحتوي أفكاراً جديدة ورؤى مبتكرة لم يسبق التطرق إليها في مجالها، وهدفي الوحيد من طرحها في هذا الكتاب وتقديمه إلى الساحات الفكرية في بلادنا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ينبثق من حرصي على إثرائها بالمزيد من البحث والتحليل، وصقلها بالكثير من النقد والتعليق، وتحديثها بما يمكن من معلومات وأفكار قد يتفضل بها القراء الكرام أملاً في أن يساعد ذلك على تطويرها وتعميقها والوصول بها إلى المستوى العلمي والفكري المأمول والمنشود.
قضايا وطنية وعربية
ضم الكتاب خمسة فصول، ففي الفصل الأول المعنون بـ(قضايا وطنية) يتصدي المؤلف بالتحليل والقراءة المتعمقة لقضايا حساسة مثل ظاهرة التطرف، المنظرون والممارسون، التوفيقية.. مفتاح شخصيتنا الوطنية.
أما في الفصل الثاني الذي عنونه بـ(قضايا عربية) فنقرأ بها عنواين لمقالات ترصد التحولات الكبرى لما مرت به المنطقة العربية وأزماتها الكبرى، ومن العناوين: رؤية جديدة للصراع العريي الإسرائيلي/ مدخل لدراسة الأمن القومي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية / تحديات أمام الفكر العربي / شخصية الأمة: مقوماتها ومصادر تكوينها / العودة إلى المستقبل.
قضايا إسلامية
وفي الفصل الثاني يقدم المؤلف آراءه في المسائل الإسلامية وخاصة في المشكلات التي تواجه المسلمين اليوم في إطار العلاقات الدولية فنقرأ عناوين لمقالات مثل: البعد الدولي في المنظومة الإسلامية / المسلمون وقضية التخلف / نحو منظور موضوعي للرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية والتنظيم الدولي / نحو محدد مشترك للقضايا الأساسية التي تواجه المسلمين في العصر الحديث تأثير «العلمانية» على النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية / تأثير قضية القومية على النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية / السلمون وقضية العولمة / العلاقة بين الإسلام والغرب.
قضايا دولية
ويعرج المؤلف في الفصل الرابع من الكتاب على القضايا الدولية المعاصرة ويقدم فيها آراءه وتجربته وخبرته الثرية وهو المتخصص في هذا المجال، فنقرأ عناوين في هذا الفصل لمقالات مثل: الهيكل الجديد للنظام الدولي المعاصر / كلام في السياسة.... الدولية / «إيدر» العلاقات الدولية المعاصرة / مقومات القرار السياسي الخارجي / خواطر حول نظرية المؤامرة.
قضايا فكرية
وتطالعنا في هذا الفصل الخامس والأخير مقالات فكرية متنوعة الاتجاهات، فنقرأ عناوين لمقالات مثل : قرن التحولات والتغييرات / ذكاء الكمبيوتر / إنه «آلة» ونحن «بشر» / العلم والتقنية / نهاية العلم / ما يجب وما لايجب / انهم يقلبون الحجارة.