|
المدينة المنورة - مروان قصاص:
أكد مدير جامعة الملك سعود السابق وعضو مجلس الشورى ومجمع اللغة العربية الدكتور أحمد محمد الضبيب أن السياسة التعليمية بالجامعات السعودية أثبت فشلها عندما فرضت اللغة الأجنبية لتدريس طلابها العلوم التطبيقية والطب، مرجعاً سبب تمسكها بها للظن الزائف بأن التقدم لا يأتي إلا عن طريقها وهو شعور ناتج عن الهزيمة النفسية التي يعاني منها العربي.
جاء ذلك خلال محاضرة له بعنوان «اللغة والإبداع» نظمها نادي المدينة المنورة الأدبي ونوه الضبيب بالتجربة المصرية في عهد محمد علي باشا الذي فرض اللغة العربية كلغة أساسية في التعليم في جميع مراحله، وبخاصةً في مجال الطب والعلوم التطبيقية، والتي أثبتت نجاعتها وتميزها على مدى قرن، معتبراً أنها أنموذج رائد في الحفاظ على الهوية العربية واعتبر الضبيب أن قرار فرض اللغة العربية مثالاً حياً على الشعور القومي العالي بالمسؤولية تجاه اللغة العربية مطالبا بضرورة تعميم التجربة المصرية على الأقطار العربية من خلال تعريب التعليم العالي للاستئناس بهذه التجارب في الارتقاء بالواقع اللغوي في الوطن العربي.
وحذر الضبيب من استمرار الجامعات بالتعليم باللغات الأجنبية مفيداً أنها تعزل «الأمة العربية» عن معترك العلوم والتقنية، وتكرس اعتمادها في جميع فنون التقنية على الأجنبي، حتى تصبح تابعاً تتلقى ما يقذف به الغرب من منتجات دون أن تكون لها إسهامات تنسب لها أو تفيدها في الحياة.
وقال إن ما يجري في جامعاتنا اليوم لم يحصل له مثيل في العالم حيث يحرم كثير من الطلاب في السنوات التحضيرية من تخصصات عدة لعدم اجتياز اللغة الإنجليزية المشترطة من إدارات القبول في الجامعات، مشيراً أن الضرورة ملحة في البدء بتعريب التعليم الجامعي بكل تخصصاته. وأن حالة الوهن العربي وضعف اعتزازه بلغته الأصلية أدى إلى انعدام التنسيق بين المؤسسات العلمية، وندرة المصطلحات، وفوضى استعمالها في البلاد العربية.
وذهب المحاضر إلى ضرورة أن يكون تعلم اللغة العربية شرطا لدخول الأجنبي العامل أو المستثمر للمملكة، وقال إننا لا يمكن أن نشكل حياتنا في المملكة على هوى هؤلاء الأجانب، بل الواجب أن يشكلوا هم حياتهم بما يناسب وضعنا. وهذا هو الوضع الطبيعي في جميع أنحاء العالم، وتأسف من الإهمال المفرط للغة العربية والاستهانة بها بقوله إن من أقرب الأمثلة المؤسفة على ضعف اعتزازنا بلغتنا التي ارتضاه الله لنا ما يدور بالفنادق والمحال التجارية التي تحيط بالحرم النبوي الذي يضم قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بأيدي عمالة وموظفي استقبال لا يتعاملون سوى بالإنجليزية وتحمل تلك الفنادق مسميات غربية محضة في تعمد صريح لطمس الهوية العربية، واستطرد قائلاً إن تبني اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات الأخرى في كل مجالات الحياة هو بمنزلة الانتحار الذي تقدم عليه الشعوب المتخلفة دون أن تدري.
ودقِّ المحاضر ناقوس الخطر عندما طالب المسؤولون والوزراء عبر منبر نادي المدينة الثقافي بحماية اللغة العربية والوضع الراهن التي تمر به، قائلاً «أضحت اللغة العربية في مواجهة العولمة هماً مؤرقاً يشغل بال الغيورين على اللغة والثقافة والهوية الحضارية للأمة العربية، مؤكدًا هذا الشعور يأتي من الإدراك الواعي بجسامة التحديات التي يحملها الزحف العولمي وخطورتها على وسائل الإعلام، وعلى التعليم وسوق العمل، وعلى مستوى النخب في المجتمع.
وشهدت محاضرة الضبيب العديد من المداخلات ركزت على أن الواقع اللغوي بدءاً بتداول الألفاظ الأجنبية في الأوساط الاجتماعية، وعلى أسماء المحلات والفنادق التجارية واشتراطات سوق العمل عند اختيار العاملين، وأكدت أن اشتراط إجادة اللغة الإنجليزية يقف حائلاً الآن أمام المواطن العربي في وطنه دون الحصول على لقمة العيش، ويفتح الباب على مصراعيه للأجانب ليحلوا محله، مما أوجد أزمة لغوية، ومَسَخَ لسان المواطن العربي، وامتدت آثاره إلى مجال التعليم حيث ارتفعت الأصوات تنادي بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال منذ نعومة أظفارهم، حتى وصل الأمر ببعض المدارس الآن لتعليم المواد العلمية باللغة الأجنبية، ونوهت أن اشتراط اللغة الإنجليزية للعمل في سوق بلادنا تسبب في قفل أبواب العمل أمام شبابنا المتخرج حديثاً. وجعلت الفرص مفتوحة أكثر أمام الأجانب، وهذا ما لا يحدث في أي بلد يحرص على تشجيع العنصر الوطني وإحلاله مكان الغريب.