عندما يقول قائل بأنني مستجاب الدعوة، فإنني أقف وقفة مراجعة لنظرتي له عقلياً وعلمياً! الحق سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
إذاً تزكية النفس من الأمور التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى بنص قرآني صريح، فما هي إذا مشكلة من يأتي ويدعي هذا الفضل العظيم؟ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: (لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة ما كان أحب إلي من الموت، فالله يقول إنما يتقبل الله من المتقين)، هذا ابن عمر وهو من هو، فكيف بنا نحن أبناء هذا العصر، في كل تفاصيل حياتنا الغث أكثر من السمين، والخطأ أكثر من الصواب! في الوسط الثقافي هراء لا يؤاخذ عليه من لا يتوقع منه أصلاً شيء، وفي الوسط الدعوي كبائر لفظية لا يتوقع أن تصدر من إنسان يملك المعلومة الصحيحة التي تغنيه عن مثل هذه الكبائر اللفظية! الكاتب والأديب عندما يقول مقولة مخالفة للشرع، فمع أننا نتمنى ألا يقولها، وأن يتأكد من صواب ما يقول قبل أن يقول، إلا أننا في حقيقة الأمر لا نستكثر عليه مثل ذلك، كونه غير متخصص في الفقه وعلوم الشريعة المختلفة، ولهذا فإن المناهي اللفظية قد يقع فيها مرات ومرات، وهذا لا يعني أنني أبرئ هذه الشريحة أو أوجد لهم العذر، أبداً، بل إن المطلوب من الجميع ألا يخوض في أمر لا يفقهه، سواء في علوم الدين أو الدنيا, مثلما أنه غير مباح لمن لا يتقن الطب معالجة الناس.
لكن ما أراه غير مقبول أبداً وقوع طالب العلم الشرعي في بعض الأخطاء التي أقل ما يقال عنها إنها تدخل ضمن المناهي اللفظية، وتتجاوز هذا أحياناً إلى أن تصل إلى درجة تزكية النفس، التي أمرنا القرآن الكريم بتجنبها كما أشرت لهذا في مقدمة المقال.
أثار استغرابي قول أحدهم إن ما أصاب الراحل غازي القصيبي -رحمه الله- نتيجة دعائه عليه في الحرم، أي إنه متيقنٌ بأنه مستجاب الدعاء أولاً، وثانياً حكمه على رجل أفضى إلى ما قدم عند رب رحيم بأنه كان يحارب الفضيلة ويدعو للرذيلة!! الذي يدركه الجميع أن كل إنسان معرض للخطأ فيما يقوم به من عمل، سواء كان هذا العمل لخاصة نفسه أو للمجتمع ككل، ولا يعني ارتكابه للخطأ إقراره به أو رضاه عن نتائجه، ولكنها تبقى اجتهادات شخصية.
في شريعتنا أمرنا بذكر محاسن موتانا، فكيف بمن يقرر سوء عمل ميت؟! استوقفني أحد الإخوة الدعاة يوماً، وسألني ما هذا التراشق الذي أراه في وسائل الإعلام بين فئتين من المجتمع؟ فقلت له لو أن من نحسبهم حملة الفقه والعلم الشريعي امتثلوا قول الحق: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} لتحقق من الإصلاح أضعاف ما يتحقق نتيجة التراشق والهمز واللمز, فقال: ولكن الطرف الآخر هم من يبدأ، فقلت له من يعتقد أنه الأفضل عليه أن يكون الأكثر تحملاً، وذكرت له تجربة شخصية لي مع أحد بذيئي اللسان، وكيف جعلته يندم ويتحول إلى إنسان عفيف اللسان جميل المنطق.
ويكفينا في بيان أهمية أن يكون الإنسان لين الجانب جميل المنطق قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} والله المستعان.
almajd858@hotmail.comتويتر: @almajed118