محمد بن حميد الجحدلي الحربي:
يُعد العلاَّمة الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر، الروداني(1)، السوسي، المغربي، المكي، المالكي، صاحب المصنفات، مثل: كتاب: «جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد»، وكتاب: «صلة الخلف بموصول السلف»، وغيرها، من أبرز العلماء المجاورين بالحرمين الشريفين في القرن الحادي عشر الهجري(2).
وقد كان له شأن كبير في مكة المكرمة، بعد أن اجتمع بالسلطان العثماني محمد خان(3)، الذي فوَّض إليه أمر النظر في أوقاف الحرمين الشريفين. فقام بعدد من الأعمال، منها: أن تكون الأربطة لمن يستحقها بشرط الواقف، وأعاد توزيع حب الصدقات إلى ما كانت عليه سابقاً، وأبطل الدفوف في الزوايا.
وأجمعت المصادر التاريخية، على أن الشيخ أُخرج بعد ذلك من الحرمين الشريفين، إلى دمشق، وترك أهله في مكة المكرمة، واستقر في دمشق إلى أن توفي ودفن بها، والفترة الزمنية بين خروجه من مكة المكرمة، ووفاته في دمشق نحو عشرة أشهر فقط (4). وبعد أن ورد إلى مكة المكرمة خبر وفاته في دمشق، سُلمت أملاكه إلى ابنه الذي كان يُقيم في مكة المكرمة(5).
وينص الكتاني(6) على أن المؤرخ النسابة أبي محمد عبد القادر المدعو الجيلاني الإسحاقي، ذكر في رحلته الحجازية، التي دوَّن فيها حجة الأميرة خناثة بنت بكار(7) زوجة سلطان المغرب إسماعيل بن الشريف العلوي(8)، أنه التقى بابن الشيخ في مكة المكرمة، وذكر أن اسمه محمد(9)، وله دار ورثها عن أبيه الشيخ قرب المسجد الحرام. كما نص الكتاني - أيضاً - على أن محدث الهند ولي الله الدهلوي(10)، روى الحديث بسنده إلى الشيخ، من طريق ابنه محمد وفد الله(11).
أما بعض المراجع التاريخية المتأخرة، مثل: كتاب: «نسب حرب» للأستاذ عاتق بن غيث البلادي، وكتابيَّ: «مشيخة العسوم»، و»ملامح من تاريخ قبيلة حرب» للدكتور مبارك بن محمد المعبدي، فقد نصت على أن الشيخ نُفي إلى خُليص(12).
واختلفت تلك المراجع في تحديد القرن الذي نُفي فيه الشيخ. فالبلادي ينص على أنه نُفي إلى خليص في القرن الحادي عشر. بينما ينص المعبدي على أنه نُفي إلى خليص في القرن السابع الهجري، الحادي عشر الميلادي، بعد نهاية حكم الشريف رميثة العناني، وانتقاله إلى قرية الخُوَار(13) للسكن فيها(14).
وبمناقشة ما ذكره كُلٌ من: البلادي، والمعبدي، على ما دونته المصادر التاريخية نجد ما يلي:
1- أن البلادي، والمعبدي، لم يستندا على أي مصدر تاريخي في قولهما: بأن الشيخ نُفي إلى خليص. وهما بذلك خالفا المصادر التاريخية، التي نصَّت على أن الشيخ أُخرج من مكة المكرمة، إلى دمشق، وتُوفي ودفن بها.
2- خالف المعبدي المصادر التاريخية حين نص على أن الشيخ نُفي إلى خليص في القرن السابع الهجري (601-700هـ)، بينما أجمعت المصادر التاريخية على أنه أُخرج من مكة المكرمة في القرن الحادي عشر الهجري (1001-1100هـ). ومن الواضح أن المعبدي ناقلٌ للخبر من البلادي دون تحقق، ثم وقع في لبسْ واضح عند تعيين القرن الذي نُفي فيه الشيخ، فاعتقد أنه في القرن الحادي عشر الميلادي، لأن البلادي لم ينص في كتاب: «نسب حرب»، على أن المقصود بقوله: القرن الحادي عشر، هو: القرن الهجري. كما أخطأ المعبدي حين ذكر أن القرن الحادي عشر الميلادي، يوافق القرن السابع الهجري. والصواب: أنه يوافق القرن السادس الهجري.
3- أحال المعبدي بعد أن ذكر اسم الشيخ إلى الحاشية، وقال في الحاشية ما نصُّه: «انظر: جريدة القصر، للعماد، ج3، من قسم الشام، التراجم، ص 13». وتدل هذه الإحالة من المعبدي على أن العماد ترجم للشيخ في ذلك الكتاب. والصواب: أن العماد الأصبهاني (ت 597هـ) له كتاب: «خريدة القصر وجريدة العصر»، وليس كتاب: «جريدة القصر». كما أنه لم يترجم للشيخ في ذلك الكتاب، لأنه متقدم زمنياً عن الشيخ، وتبلغ الفترة الزمنية بين تاريخ وفاة العماد في القرن السادس الهجري، وتاريخ مولد الشيخ في القرن الحادي عشر الهجري، نحو أربعة قرون ونصف القرن.
4- خالف المعبدي المصادر التاريخية، حين نص على أن الشريف رميثة انتهى حكمه في القرن السابع الهجري، وأنه انتقل إلى قرية الخوار وسكن بها بعد انتهاء فترة حكمه في شرافة مكة المكرمة. بينما أجمعت المصادر التاريخية على أن الشريف رميثة كان أميراً لمكة المكرمة في القرن الثامن الهجري، وأنه تُوفيَّ ودفن في مكة المكرمة(15).
5- نعت المعبدي الشريف رميثة بـ «العناني»، وهو بهذا النعت، فقد نسب الشريف رميثة إلى حفيده الشريف عنان بن مغامس بن رميثة، والأصل أن يُنسب الرجل إلى آبائه وأجداده، وليس إلى أبنائه وأحفاده.
ختاماً.. فإن المصادر التاريخية المتقدمة أجمعت على أن الشيخ نُفي إلى دمشق، وتوفي بها، والفترة الزمنية بين خروجه من مكة المكرمة، ووفاته في دمشق نحو عشرة أشهر فقط. أما ما ذكره البلادي، والمعبدي، عن نفي الشيخ إلى خليص، فهو يخالف المصادر التاريخية، ولا يستند على أي مصدر تاريخي.
وإن كان البلادي وَهِم في نفي الشيخ إلى خليص، غير أن المعبدي نقل الخبر عن البلادي دون تحقق، ثم أضاف إليه معلوماتٍ خاطئة تخالف المصادر التاريخية، وأحال عند ذكر اسم الشيخ إلى مصدر متقدم كثيراً عن زمن الشيخ.
الهوامش والتعليقات الجانبية:
(1) وقيل: الرداني. وهي نسبة إلى مدينة تراودانت، أو رودانة، وهما صيغتان شلحية، وعربية مستعملتان إلى الآن. والنسبة الغالبة: روداني. وتكتب بالراء بعد الواو، وبدونها.
(2) انظر ترجمة الشيخ في: عبد الله بن محمد العياشي (ت 1090هـ): الرحلة العياشية (رحلة ماء الموائد)، تحقيق د. سعيد الفاضلي ود. سليمان القرشي، دار السويدي للنشر والتوزيع.
(3) هو: السلطان محمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن مراد بن سليم بن سليمان بن سليم خان، ولي السلطنة من سنة 1058هـ إلى سنة 1099هـ. انظر: عبد الملك بن حسين العصامي (ت 1111هـ): سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي.
(4) انظر: العصامي: مصدر سابق، ج4، ص547-549؛ المحبي: مصدر سابق، ج4، ص 204-208؛ السنجاري: مصدر سابق، ج4، ص 492-511؛ الطبري: مصدر سابق، ج2، ص 117-118، 128-129؛ أحمد بن زيني دحلان: خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، د.ط، 1397هـ-1977م، ص 102-104.
(5) انظر: السنجاري: مصدر سابق، ج4، ص 511.
(6) هو: محمد عبد الحي بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني.، ولد سنة 1264هـ، وتُوفي سنة 1304هـ انظر: الزركلي: الأعلام، ج6، ص 187-188.
(7) هي: خناثة بنت بكار بن علي بن عبد الله المغافري. أميرة. كانت زوجة المولى إسماعيل بن محمد العلوي السجلماسي. حجّت سنة 1142 فعمَّت الناس بعطاياها. توفيت سنة 1155هـ. انظر: الزركلي: الأعلام، ج2، ص 324.
(8) هو: إسماعيل بن محمد الشريف بن علي الشريف المراكشي الحسني العلوي الطالبي. ولد سنة 1056هـ، وولي الحكم سنة 1082هـ، ودام حكمه 57 سنة، توفي سنة 1139هـ. انظر: الزركلي: الأعلام، ج1، ص 324-325.
(9) هو: محمد وفد الله بن محمد بن محمد بن سليمان الروداني. انظر: الكتاني: مصدر سابق، ج1، ص 427-429؛ الروداني: مصدر سابق، مقدمة المحقق، ص 15.
(10) هو: أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي، أبو عبد العزيز، الملقب شاه ولي الله: فقيه حنفي من المحدثين، من أهل دهلي بالهند. ولد سنة 1110هـ، وزار الحجاز سنة 1143 - 1145 هـ. توفي سنة 1176هـ. انظر: الزركلي: الأعلام، ج1، ص 149.
(11) انظر: الكتاني: مصدر سابق، ج1، ص 428-429؛ الروداني: مصدر سابق، مقدمة المحقق، ص 15.
(12) خليص: وادٍ كثير الماء والزرع، يقع شمال مكة على بعد 100 كيل. فيه ثلاثون قرية. انظر: عاتق بن غيث البلادي: معجم معالم الحجاز، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، ط1، سنوات الطباعة مختلفة،ج3، ص 149-153.
(13) الخوار: من أكبر عيون وادي أمج، به قريتان، هما: الشعبة، والنَّزة. انظر: البلادي: مصدر سابق، ج3، ص 165.
(14) انظر: عاتق بن غيث البلادي: نسب حرب، دار مكة للنشر والتوزيع، ط3، 1404هـ-1984م، ص 59؛ مبارك بن محمد المعبدي: مشيخة العسوم آل رومي شيوخ زبيد في خليص، دار البيروتي، دمشق، ط2، 1417هـ، ص 63؛ مبارك بن محمد المعبدي: ملامح من تاريخ قبيلة حرب في ضوء المصادر والمراجع المعاصرة، دار البيروتي، دمشق، ط1، 1423هـ، ص 149.
(15) عن الشريف رميثة، انظر: عز الدين عبد العزيز بن فهد (ت 922هـ): غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم محمد شلتوت، ج2، ص 78-111؛ العصامي: مصدر سابق، ج4، ص242-253؛ الدحلان: مصدر سابق، ص 28-32.
m2aljahdali@hotmail.com