|
القاهرة - علي فراج:
التحدي أمام الرجل.. لا يكمن فقط في الملفات الشائكة التي أمامه، لكن د. عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي في انتخابات مصر القادمة.. سيجد نفسه أمام تحدٍ كبير آخر بين قناعاته التي قادته غير مرة إلى غياهب السجون، والواقع الذي سيستجد إذا ما أصبح صانعاً للقرار. الرجل خريج لمدرسة الإخوان المسلمين التي كانت دائماً في الخندق المعارض للنظام الحاكم، واليوم يجد نفسه في موقع الانتقال من الموقف الحزبي المحدود، إلى الموقف السياسي المدروس بدقة، خصوصاً أنه ليس مرشحاً باسم الإخوان المسلمين، كما أن قواعد اللعبة وتشعباتها الداخلية والخارجية.. تتطلب أن يكون لكل مقام مقال.
السطور التالية تحاول السباحة في دماغ د. أبو الفتوح، المرشح الرئاسي.. ومعرفة بعض ما يدور فيه:
لماذا ترشحت للرئاسة في هذه الظروف بالتحديد؟
- بعد ثورة 25 يناير العظيمة التى أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه، بدأت التفكير في كيفية المشاركة ببناء الوطن، في ظل الحرية التي أتاحتها الثورة، ومن هذا المنطلق رأيت أن أخدم بلدي من هذا المنصب.
ما ملامح برنامجك الانتخابي؟
- مشروعي يتركز في أربعة محاور، أولها الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي لنقل المجتمع والوطن إلى دولة متقدمة، والثاني تعميق الحرية والديمقراطية في مصر، والثالث تعميق العدالة ممثلة في استقلال كامل للقضاء، والمحور الرابع هو التنمية.
إهانة للمصريين
ما رؤيتك تجاه ما حدث مؤخراً مع المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي وطريقة خروجهم من البلاد التي أثارت جدلاً في الشارع المصري؟
- ما حدث في هذه القضية يعد إهانة للكرامة الوطنية، وأعتبرها تمثيلية سياسية تم زج السلطة القضائية فيها، فهناك العديد من الجمعيات غير المرخصة ما زالت تمارس نشاطها ولا نعرف تمويلها ولا أحد يتدخل، وإذا أرادت الحكومة إنهاء هذه المسألة فينبغي عليها إنجاز المهمة بشكل إيجابي، وعلى المجلس العسكري كشف الحقائق حول قضية التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، وملابسات الإفراج المثير للجدل عن المتهمين الأمريكيين.
معنى ذلك أنك غير راضٍ عن أداء المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية؟
ـ أولاً المجلس العسكري اختاره الشعب لإدارة شئون البلاد عقب الثورة وسينتهي دوره تمامًا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليعود لممارسة دوره الأساس المتمثل في الدفاع عن البلاد، لكنه ليس فوق الحساب، وقد اتسم أداؤه بالبطء والارتباك، وكان الأداء على مرحلتين :
الأولى: بعد الثورة في الأشهر الثلاثة الأولى، وكنا خلالها نضع تصرفاته تحت عنوان «إنه منضم ومنحاز للثورة وينفذ توجهاتها»..
والمرحلة الثانية، وكنا خلالها نضع تصرفات المجلس تحت عنوان «تعرضه لضغوط خارجية وداخلية تحول بينه والاستمرار في الانحياز للثورة والتوجهات الشعبية». لكن مع ذلك لست مع اتهامه بالتواطؤ أو تخوينه، ولكن لا بد من خضوعه للمحاسبة، تلك هي العدالة والديمقراطية.
لا للتنازلات
خرجت بعض الأصوات مؤخراً تطالب بالاستغناء عن المعونة الأمريكية حتى يكون القرار المصري بعيدًا عن الضغوط. ما تعليقك؟
-لا بد من النظر في المعونة لتكون وفق مصالح مصر ودون التأثير على سيادتها أو استقلالها الوطني، نحن لسنا ضد التعاون مع أمريكا أو غيرها ولكن وفق المصالح المشتركة وليس كما كان يفعل النظام السابق بغرض التبعية للنظام الأمريكي، فمصر غنية بإمكاناتها ومواردها لو تم محاربة الفساد، لكن سوء الإدارة في السابق أفقر مصر وجعلها تمد يدها للمعونة الأمريكية، لذلك أرى ضرورة التعامل مع الولايات المتحدة بالندية وبلا أي تنازلات، فمصر للمصريين ولا تسمح لأحد باهانتها بدعوى معونة أو غيرها، وما فعلته أمريكا باسترداد مواطنيها المتهمين إهانة للمصريين. وهناك نقطة جوهرية علينا أن نعيها تماماً وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا وجدت من يتعاون معها بمبدأ تبادل المصالح، دون تقديم التنازلات، كما هو معلوم في أسس العلاقات الدولية، فلن ترفض ذلك، لكن الحديث عن أن هذا الفعل أو ذاك قد يغضب أمريكا فهو مورث تركه نظام مبارك، لكن بعد اليوم لن يحدث ذلك فالشعب المصري صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيما يتعلق بشئونه، ولن يسمح لأي طرف بالتدخل.
لكن البعض يرى أن الجمعيات الممولة أمريكياً تسعى لنشر الديمقراطية في مصر؟
- لأ أظن أن أمريكا تسعى لنشر الديمقراطية في مصر وإلا لماذا ساندت نظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة ولما علمت أن الشعب مصمم على إسقاطه تغير الخطاب الأمريكي وأصبح يطالب بسقوط النظام بعدما كان يرى أن النظام قوي في بداية الأزمة، أمريكا ليس من مصلحتها ديمقراطية مصر لكن ذلك سيؤثر سلباً على مصالحها.
المخطئ يُحاسَب
عودة للمجلس العسكري.. هل أنت مع فكرة الخروج الآمن لأعضائه بعد انتهاء المرحلة الانتقالية؟
- أكرر : من ارتكب أخطاء يجب أن يحاسب بشأنها، فقد ولى الزمن الذي يفلت فيه المخطئ من المحاسبة، لذلك أنا مع الخروج «العادل» لكن علينا أن نضع في اعتبارنا أن المجلس ليس لديه الخبرة للإدارة وهذا خطأ دفعنا ثمنه وسينتهي دوره بانتخاب رئيس جديد.
هل من المكن أن يدفع المجلس العسكري بأحد أعضائه لانتخابات الرئاسة؟
- المزاج المصري بعد الثورة ضد المرشح العسكري، وإذا قامت المؤسسة العسكرية بدعم أحد أعضائها وتوجيهه للانتخابات الرئاسية، فهذا خطر على مصر وضد المصلحة الوطنية. والذي أكسب المؤسسة العسكرية هذا الاحترام قيامها بواجبها بالحفاظ على أمن الوطن، ولا يصح أن يكون لها امتداد في العمل السياسي، وثقة الشعب المصري في مؤسسة الجيش تأتي من كونها ملكاً للجميع ولا يجوز للمجلس أو غيره أن يجرح هذه الثقة، وأعتقد أن المجلس يريد الخروج من المشهد السياسي والعودة لمهامه الدستورية من حماية الحدود والأمن القومي للبلاد.
أرفض الرموز
الشعب أسقط النظام، ومع ذلك ترشح بعض رموز النظام للمنصب الرئاسي، ما موقفك؟
- أرفض ترشح أي رمز من رموز النظام القديم، لأنه يعد امتدادًا للنظام السابق، مثل عمرو موسى الذي كان وزيراً للخارجية في عهد مبارك، وعمر سليمان نائب مبارك، وأحمد شفيق رئيس وزراء مبارك، وغيرهم من فلول النظام البائد، فهم امتداد للنظام القديم لكن بدرجات متفاوتة، وهذا الامتداد قد تكون نسبته 10 %، 20 %، 90 %. أنا أرى أن عمر سليمان وأحمد شفيق جزء من النظام القديم بنسبة 99 % مما لا يؤهلهما للترشح في تقديري، حتى لو استوفيا كل شروط الترشح للرئاسة.
العلاقة مع الأقباط
كمرشح إسلامي.. ما علاقتك بالأقباط؟
الأقباط جزء من نسيج مصر، لهم كل الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وعلاقتي مع المسيحيين مبنية على الحب والثقة، لكن القنوات مدفوعة الأجر تعمل ليل نهار لتخويف الشعب من بعضه البعض، فتارة تخوفه من الليبراليين، وتارة من الإسلاميين، لكن كل هذه المؤامرات ستفشل لأن الشعب المصري لا يعرف الصراعات العرقية أو الطائفية، وكل الأحداث الطائفية كانت من صنع جهاز أمن الدولة المنحل.
لا مانع!
هل من الممكن أن يختار أبو الفتوح حال فوزه بالمنصب، قبطياً أو امرأة نائباً؟
ـ إذا كان القبطى أو المرأة يملك كفاءة ليست موجودة فيما سواهما فهما الأولى، فالأوطان لا تدار بالمسلسلات والانتهازية السياسية ولكن المصلحة العليا تقتضي أن يكون الأكفأ في المكان المناسب سواء كان مسيحياً أو مسلماً.. امرأة أو رجلاً.. شيخاً أو شاباً، ورهاني على كتلة التيار الرئيسي في مصر، وهو الذي يشكل أكثر من 95% من المصريين، التيار المتدين سواء كان مسيحياً أو مسلماً، ذلك التيار الحريص على الحريات والعدالة الاجتماعية، وهم المصريون الذين نراهم في النجوع والشركات والريف وغيرها.
لكن ثمة أصوات في التيار الإسلامي تطالب بعودة المرأة للبيت؟
ـ المرأة في الثورة وقفت كتفاً بكتف مع الرجل، فهنّ شريكاتنا في كل شيء، كنا نراهن يجابهن الموت معنا، ويقفن في وجه الرصاص، كما كنا نراهن في اجتماعات الميدان يُدرن الثورة معنا، وبالتالي لا يجب إقصاؤهن من الحياة السياسية أو الاجتماعية كما كان يفعل النظام السابق، فعلينا أن نشركهن معنا في البرنامج السياسي والعمل العام والاجتماعي الذي يعود في نهاية الأمر لصالح مصر.
ماذا عن الشباب في برنامج أبو الفتوح؟
ـ شباب مصر استرد عافيته وأثبت للعالم أجمع بعد ثورة 25 يناير أنه قادر على قيادة الوطن والنهوض به حتى وإن كان الثمن حياته، لقد ضربوا لنا أروع مثال للنضال ضد الفساد والاستبداد، ولا أحد منا يستطيع أن ينكر أنهم مُؤججّو الثورة العظيمة وأنهم قدموا من التضحيات ما لم يقدمه أحد، لذلك يجب أن يكون العصر القادم هو عصر الشباب، فهم قوة هائلة يجب تفعيلها لبناء مستقبل الوطن، ودورهم في التحول الديموقراطي القائم ضروري في المرحلة القادمة، لذا يجب على الدولة أن تعمل على إشراكهم في هذا التحوّل من خلال تدريبهم على إدارة الدولة، وأن يكونوا في مناصب قيادية بها، فنراهم أعضاء للبرلمان وفي المجالس المحلية، والتشكيلات الوزارية، كما علينا ألاّ نغفل أن يكون لهم ممثلون في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور. دور الشباب حيوي ولن يتم أي نهوض للوطن إلاّ بأيديهم.
انفلات مصنوع!
كيف ترى ما يحدث من انفلات أمنى في الشارع المصري؟
-الانفلات الأمني مصنوع ويقف وراءه فلول النظام السابق لشيطنة الثورة وتحميلها كل الأوزار، والسلطة الموجودة حاليا قادرة على استعادة الأمن إن هي أرادت ذلك، فاستعادة الأمن مسألة ليست بالصعبة، والفراغ الأمني الذى تشهده مصر حاليا يخدم أهدافاً سياسية محددة، والدليل نجاح السلطات في تأمين الانتخابات البرلمانية بشقيها الشعب والشورى.
لا لأي فرعون!
يخشى البعض انحيازك لحزب الأغلبية البرلمانية الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين وأنت قيادي سابق بالجماعة.. ما قد يعيد نسخة الحزب الوطني ومبارك؟
ـ أولاً أنا تخليت عن انتمائي للإخوان فور إعلان رغبتي في الترشح للرئاسة لأنه منصب لا يجوز لمرشحه أن يخدم فئة دون أخرى، لكن ذلك لا يمنع اعتزازي بالإخوان المسلمين لأنهم جزء من المدرسة الإسلامية الوسطية. ثانياً الرئيس القادم في علاقته بالأحزاب والقوى السياسية المنتشرة على الساحة، يجب أن يكون على نفس المسافة، وأن يكون هدفه الأول خدمة الوطن، كما أن الشعب المصري لن يسمح بوجود «فرعون» مرة أخرى بعدما أسقط مبارك.
تعديل كامب ديفيد
ماذا عن كامب ديفيد والعلاقات المصرية الإسرائيلية خاصة فيما يتعلق بتصدير الغاز؟
- مطلوب إجراء تعديل باتفاقية كامب ديفيد بما يحقق مصالح مصر وسيادتها على سيناء، وذلك لن يكون إيذاناً بالحرب مع إسرائيل كما كان يروج النظام السابق، لأن مصر لا تقبل العدوان على حدودها وهي قادرة على ردع أي عدوان ولن تكون البادئة، أما إذا سألتني عن موقفي الشخصي فأنا كنت وما زلت ضد «كامب ديفيد» وكنت من أول المعارضين لها وهذا موقفي الشخصي، أما كوني رئيساً فمصر دولة متحضرة، تحترم اتفاقياتها، لكن ليس هناك اتفاقيات أبدية، فالقانون يضع في كل الاتفاقيات وسائل وطرق تعديلها أو تطويرها أو إلغائها متى أضرت بمصالح أحد الأطراف، وتعديل المعاهدة سيتم وفقاً لسياق القانون الدولي وعن طريق البرلمان الذي اختاره الشعب، أما بالنسبة لتصدير الغاز لإسرائيل، فسوف اتخذ قراراً حال فوزي بالمنصب بوقف ضخ الغاز المصري لإسرائيل بغض النظر عن سعره، فلا يصح أن يعاني المصريون من شح الغاز في الوقت الذي تصدر مصر الغاز لإسرائيل. هذا أمر غير مقبول منطقاً وعقلاً.
العفو قرار الشعب
هل من الممكن لـ (أبو الفتوح) إذا انتخب رئيساً أن يعفو عن سلفه الرئيس السابق مبارك؟
- الثورة أنهت فكرة الرئيس المسيطر على كل شيء، مصر لم تعد عزبة لأحد يتصرف فيها على هواه، مصر بعد الثورة دولة قانون ودولة ديمقراطية، الشعب هو من يقرر، فلا أحد يملك العفو عن مبارك سوى الشعب المصري الذي ذاق من النظام السابق ويلات كثيرة آخرها سفكه لدماء الشباب الذي تظاهر سلمياً ضد حكمه، وإذا سألتني هل يعفو الشعب عن رئيسه المخلوع أقول لك: أشك!
كلمة أخيرة؟
ـ أثق أنه لو توفرت عوامل الأمن واحترام القانون، فلن تحتاج مصر للمعونات الأمريكية أو غيرها، فمستثمرو الخليج جميعاً يتمنون أن يستثمروا في مصر، لو توفرت العوامل المذكورة، وهذا كله ستصنعه الثورة المصرية بإذن الله.
****
أبو الفتوح في سطور
* الميلاد : 15 أكتوبر 1951
* أحد قيادات الطلاب البارزين في السبعينيات الميلادية في القرن الماضي
* حاصل على بكالوريوس طب القصر العيني
* عضو سابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
* كان من أشد المعارضين لمعاهدة كامب ديفيد مما أدى لاعتقاله عام 1981، كما تعرض للاعتقال والسجن أكثر من مرة في عهدي السادات ومبارك بسبب نشاطه المعارض من خلال جماعة الإخوان المسلمين.
* حصل أيضاً على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة خلال فترة سجنه إبان عهد مبارك.
* أعلن عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة.
* متزوج من طبيبة نساء وتوليد، وأب لثلاث إناث جميعهن يعملن طبيبات، وثلاثة ذكور يعملون في التجارة والهندسة والصيدلة.