اطلعت على مقال الأستاذ الدكتور حسن الهويمل المنشور في صحيفة الجزيرة يوم الثلاثاء 6ـ4ـ1433هـ والذي كان حول رحلته إلى المغرب بعنوان: (تداعيات الرحلة المغربية)، حيث يتحدث عن الرحالة الذين رصدوا مشاهداتهم وامتعوا القراء وحفظوا شطراً من التاريخ والجغرافيا وأدبيات الأسفار، حيث قال أين نحن من ابن بطوطة وابن جبير والعبودي وأهمية توجيه الناشئة إلى تراث أسلافنا من الرحالة.
حقيقة إن الذي يلقي نظرة على كتب الرحلات ودورها في تاريخ الأدب العربي يدرك الدور الذي تركه أسلافنا وما خلفوه من تراث غزير في هذا الميدان، وسوف نستعرض في هذا الحديث ثلاث رحلات وهي: () رحلة ابن فضلان إلى اسكندنافيا والتي اعتبرت أقدم تسجيل كتبه شاهد عيان عن حياة ومجتمع (الفايكنج) شمال أوروبا، فهي وثيقة فريدة تصف بدقة أحداثاً وقعت منذ أكثر من ألف سنة، ولقد وصفت تلك الرحلة بأنها أول رصد تاريخي لتاريخ روسيا وبلغاريا وتركيا في تلك الفترة من القرن العاشر الميلادي وتجسد أسلوب الحياة في ذلك العصر أفضل تمثيل.
() رحلة ابن جبير وهي رحلة جديرة بالدراسة من الناحية الأدبية واللغوية فصاحبها أديب متمكن سلس الأسلوب قام من وطنه الأندلسي بثلاث رحلات فقضى فيها ثلاث سنوات طائفاً في البلاد العربية وجزر البحر المتوسط وكان يدون معلوماته في مفكرات يومية ويذكر ما يشاهد في تلك البلدان من عادات وتقاليد وأسلوب حياة، وقد جمعت تلك المذكرات بعد وفاته التي ظهرت باسم (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار) وقد أخرجها واهتم بها جماعة من المستشرقين سنة 1852م فجاءت سفراً أدبياً ممتعاً لما اشتملت عليه من وصف أدبي وجمالي، وصف للحياة والواقع ونقد لبعض الحالات فقد تحدث عن سوء معاملة البحارة للركاب والحجاج ومما صادفه من أهوال خلال ركوب البحر وهو دقيق في توضيح ما يود تعريفه ويشيد بأهل الخير والشهامة والمكارم ويصب جام غضبه على أهل الظلم والفساد والانحراف.
() أما الرحلة الثالثة فهي رحلة ابن بطوطة والتي بدأها من طنجة في المغرب وقضى فيها نحو من 28 سنة يجوب مختلف البلدان ويتعرض لمتاعب الأسفار وأهوال البحار والأمواج والرياح وقطاع الطرق ومكابدة الأحوال.. وكان يسجل أحوال الأمم وعاداتها ومعيشتها، فكان كتابه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، وهو المعروف برحلة ابن بطوطة وهي رحلة تقع في جزءين من أوسع الرحلات وأشهرها وتحوي من المعلومات التاريخية والاجتماعية الشيء الكثير لأحوال العالم إبان القرون الوسطى.
وكم في هذه الرحلات الثلاث من فوائد وما يتخللها من متعة وأفكار ومعلومات.. حقاً إن مجال القول ذو سعة في هذا الميدان وإن الرحلات بطبيعتها سبيل من سبل المعرفة ومعين ثر للفائدة والاطلاع على عجائب هذا الكون، وستظل تلك الرحلات وثائق علمية وجغرافية وتاريخية تتخللها إشارات ومعلومات عن الحياة وعادات الناس في ذلك العصر واهتماماتهم وثقافتهم وعن المدن والقرى الجبال والجزر والأودية ومختلف المظاهر مما يمتع النظر ويثير الشجون فهذه الرحلات وغيرها هي خبرة حياة وتجارب وثقافة وعصارة جهد وفكر وعظة وجانب من جوانب تاريخنا الأدبي.
يرحم الله أسلافنا من الرحالة الذين كانوا ينشرون العلم والدين والفكر والمعارف والآداب خلال رحلاتهم وما زالت آثارهم باقية خالدة في تاريخ الحضارة الإسلامية وكم نحن في حاجة في هذا الزمان إلى إعادة قراءة كنوز تراثنا والتأمل والنظر فيه والإفادة منه.
عبدالله بن حمد الحقيل