احترام المكان والحدث، واحترام الإِنسان، واحترام النظام، ثلاثة مرتكزات قيميَّة سعت حملة «الحجّ عبادة وسلوك حضاري» إلى ترسيخها في الذاكرة السعوديَّة بشكل موسمي يستحقُّ التقدير والاحترام من كافة منظري العمل التطوعي في الداخل والخارج، وخصوصًا أن هذه الحملة المحليَّة تشمل جانبين (توعوي وتحذيري)، تنمي في مضامينها القيميَّة إحساس الحاج والمعتمر بمسؤوليته المقدسة وهو يستعد لأداء فريضة الحجِّ وحفزه على المبادرة لتغيير سلوكياته واستشعار دوره الإنساني المتحضر إزاء الحجاج وأداء هذا النسك العظيم، وبشكل أوسع هذه الحملة في عامها الخامس تنطلق من إستراتيجيَّة أعمق وأشمل، إنها تسعى إلى تأصيل (ثقافة البلد الحرام) خلال موسمي الحجِّ والعمرة لِكُلِّ من ضيوف الرحمن ومقدمي الخدمة والمجتمع السعودي بِكلِّ شرائحه، وهنا لا نستغرب أنّ هذه الحملة تنطلق من إستراتيجيَّة تحمل برامج وحملات اجتماعيَّة تفاعليَّة للحدِّ من مظاهر سلبيَّة تَمَّ رصدها في حج الأعوام السابقة، منها الحدُّ من عدد المخالفين (وهم مَن ينوي الحجَّ بلا تصريح)، ومكافحة ظاهرة الافتراش، وتحسين البيئة الصحيَّة ومعايير النظافة ومكافحة التلوّث في المشاعر، والقضاء على حملات الحجِّ الوهميَّة، ومكافحة الحرائق في منطقة المشاعر المقدسة، ولا شكَّ أن هذه الحملة المباركة تُعدُّ إضافة نوعيَّة للمشهد التطوعي السعودي، حيث تحوَّلت هذه الحملة إلى مختبر حقيقي لفحص الشباب السعودي من الجنسين في منطقة مكّة المكرّمة من خلال ممارسة نوعيَّة للتطوّع في أنشطة تنمويَّة واجتماعيَّة مبتكرة، منحت هؤلاء الشباب خبرات تنظيميَّة ومهارات مهنيَّة في التَّعامل مع إدارة الحشود البشريَّة، مما أدى إلى صناعة قيادات شبابيَّة في مختلف مجالات العمل التطوعي.

أخيرًا أن المجتمع السعودي ينتظر من هذه «الحملة» تغْذيَّة لذاكرة العمل التطوعي المحلي، وذلك من خلال توثيق مناشط تلك الحملة، وتحويلها إلى دورات تدريبيَّة متخصصة في نشر ثقافة العمل التطوعي بين شرائح الشباب السعودي في كافة مناطق المملكة، كما أن بقية إمارات المناطق تنتظر من إمارة مكة المكرمة توثيقًا نوعيًا لهذا الحراك الموسمي في المشهد التطوعي بين شباب البلد الأمين ليكونوا قدوةً حسنةً لغيرهم من الشباب السعودي في تبني أنموذجٍ نوعيٍّ للعمل التطوعي الذي يضاف إلى المكتبة العالميَّة، بعد تحوَّل حملة «الحجّ عبادة وسلوك حضاري» إلى «بيت خبرة» في مجالات العمل التطوعي السعودي.