المخزون الثقافي والقيادي الذي يتمتع به الأمير أحمد - حفظه الله - لم يأت من فراغ، فقد تربى- متعنا الله ببقائه - في مدرسة المؤسس، ثم في معهد الأنجال، الذي أنشأه الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - وكان ولياً للعهد آنذاك، والذي كان على غرار الكتاتيب، ويستخدم الألواح الخشبية في التعليم، والذي ضم كوكبة من أساطين العلماء, الذين زوّده بهم الملك سعود - رحمه الله -.
وقد أضاف إلى هذه الثقافة العريقة الثقافة المعاصرة، من خلال معايشة الحضارة الحديثة، إذ انتقل إلى الولايات المتحدة للدراسة، حيث درس اللغة الإنجليزية، والمواد العلمية «بجامعة جنوب كاليفورنيا. ودرس في «جامعة ردلاندز» العلوم السياسية.
وأتى هذا المخزون الثقافي والقيادي أيضاً من مشاركته - حفظه الله ومتع المسلمين ببقائه - في القطاع الخاص، حيث ترأس شركة الجبس الأهلية عام 1389هـ حتى 1390هـ.
وهذه المؤهلات الثقافية والقيادية جعلت الملك فيصل - رحمه الله - يصدر أمره السامي بتعيينه وكيلاً لإمارة مكة المكرمة عام 1391هـ.
وقد حدثني الشيخ محمد بن عبد الله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء، في جلسة شتوية في منزلي في حي الريان عام 1423هـ، ضمت كوكبة من محبي الشيخ، ينتقون فيها أطايب الكلام والذكريات كما تنتقى أطايب الثمر، وكان حديثه عن إمامته في الحرم المكي وبعض ما مر به من لطائف أثناء إمامته له من حيث بنائه وتوسعته وشيوخه من أئمة الحرم وبعض ذكرياته التي سوف أخرجها في كتاب إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ السبيل: وفي إحدى ليالي رمضان وبالأخص في لياليه العشر الأخيرة جاء الأمير الشاب آنذاك إلى الحرم المكي لأداء صلاة القيام، حيث روحانية الحرم، وقراءة الشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله، بصوته الندي وخشوعه الإيماني المؤثر، فوجد الأمير أن الناس الذين يصلون في الحرم قلة، ورأى أن الإمام الخليفي في صلاته لا يبلِّغ عنه أحد إلى الصفوف الخلفية، مما يجعل الناس لا يسمعون تكبيراته، فتضعف متابعتهم له، فأمر الأمير أحمد - رعاه الله وسدد خطاه - بأن يتم التبليغ عنه إلى الصفوف الخلفية.
يقول الشيخ السبيل: بلغ الله الأمير مقصوده، كان هذا التوجيه بداية مباركة، حيث أصبح العدد في ازدياد، وأصبح الناس يتكاثرون إلى الحرم، وأنتم الآن ترون أثر هذا التوجيه الموفق، وبارك الله في لفتته الجميلة وبارك في مساعيه، وأجراء له حسنات هذا التوجيه المبارك إلى يوم الدين.
ولم تكن تلك آخر لفتاته، فرغم ترقيه بعد ذلك في المناصب وتكالب المتاعب والمصاعب، ما زال متمتعاً بالفراسة واللفتة الملهمة:
وحالات الزمان عليك شتَّى
وحالك واحد في كل حال