كانت بالنسبة لي الإذاعة الخارجية للتعليق على مناسبة وطنية، أو زيارة رسمية، فرصة لإثبات القدرة على وصف الأحداث، رغم ما يواجهها من تحدٍ، وصعوبة، وتحضير مسبق، فلا مجال للخطأ، ولا مجال للاجتهاد في أمور واقعية، ولا مجال للاستشارة أو حتى تأجيل الحديث، ولا يقطع ذلك إلا الاستماع للسلام الوطني، أو كلمة لصاحب الحدث أو المشاركين فيه. أما بقية الوقت فأنت المعني بملئه واستنطاق الكلمات المعبرة عن الحدث؛ خصوصا إذا كان مسموعا.
ضمتنا نحن المذيعين في وقتها أول قمة خليجية تعقد في العاصمة العمانية مسقط وكان مسؤولا عن مذيعي الدول الأعضاء المعلقين على القمة الزميل «ذياب صخر العامري» من سلطنة عمان، وكانت التعليمات لذياب أن يحضر كل مذيع من دولته تعليقا مكتوبا فلا مجال للارتجال، وكان ذلك بالنسبة لنا قيد لا طاقة لنا به،سوى التزامنا ببعض المسميات والأسماء الصحيحة المفترض أن لا نخطئ فيها، وحاولنا أن نقنع الأخ ذياب العامري بذلك وهو المذيع العارف بخلفيات الموضوع وعمل المذيعين، غير أنه ملزم بتطبيق التعليمات، فالتمسنا له العذر، مع إدراكه بأن الامتثال أشبه بالمستحيل بالنسبة لنا.
على العموم كان الوصول بمطار السيب بسلطنة عمان واشترك في التعليق الزملاء: «ذياب صخر العامري» من سلطنة عمان و»أحمد سالم» من دولة الإمارات العربية المتحدة و»ماجد الشطي» من دولة الكويت و»أحمد عبدالملك» من دولة قطر، و»سليمان العيسى» من المملكة العربية السعودية وأنا «خليل الذوادي» من دولة البحرين، وكان مخططا لنا أن يكون تعليق وصول الأمراء من مسؤولية المذيع الذي يصل ملك أو رئيس أو أمير دولته أولا في المطار، ويمكن المشاركة مع المذيعين الآخرين في الطريق من المطار إلى «برج الصحوة» على أن يتولى مذيع السلطنة التعليق من «برج الصحوة» إلى «قصر البستان» مقر إقامة القادة.
وكان إلزاما علينا كما هو متبع التواجد قبل وصول القادة إلى مطار السيب، غير أن سليمان العيسى كما هو معروف عنه لا يأتي إلا مع الطائرة الملكية كونه من الوفد الرسمي المرافق لجلالة الملك، ليأتي بعد الوصول مسرعا إلى غرفتنا بمطار السيب ويعلق على الوصول، ويشاركنا فيما بعد التعليق كأي فرد من أسرة المذيعين مع حرصه على ارتداء البشت أو «المشلح» بينما نحن نأخذ راحتنا في غرفة المذيعين.
وكان المرحوم الزميل المذيع السعودي سليمان العيسى محبوبا من الجميع يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته، فقد كان أستاذا ومعلما وصاحب خبرة؛ فهو قارئ أخبار ومتخصص في زيارات جلالة خادم الحرمين الشريفين الرسمية والقادر على أخذ التصاريح والتعليقات خلال المناسبات والإفتتاحات الرسمية لمشاريع المملكة العربية السعودية العمالقة، وكانت تجربته في مجال الإذاعة مفيدة بالنسبة للتلفزيون وعندما قدم برنامج «مع الناس» كان موفقا في إيصال رأي الناس إلى المواطنين وبالعكس وكان يرحمه الله متواجدا دائما إلى أن أقعده المرض، وكانت لخبرته واستعداده للعمل في كل الظروف محل تقدير لدى القيادة السعودية؛ فقد عين مستشارا إعلاميا في وزارة الثقافة والإعلام ومستشارا بالديوان الملكي ثم رقي إلى درجة وزير دولة، وارتبط اسمه بالأخبار والأوامر الملكية.
كنا عند الحديث مع سليمان العيسى في أوقات راحتنا نتبادل معه تجاربه في العمل الإذاعي، والظروف والمواقف التي مر بها، وقدرته على التصرف، فكان بمثابة المرجع والأخ والصديق الذي يمكن الركون إلى تجاربه وخبرته في عمل شاق ومضني وحساس ويحتاج إلى صبر وأناة وحسن تصرف ولباقة في القول والعمل، وعندما كانت تعقد القمة الخليجية أو العربية في الرياض نجد سليمان العيسى المسؤول المقدر لوظيفة المذيع وضرورة التسهيل عليه لإنجاز مهمته فهو صاحب «كار» يدرك الصعوبات التي يمر بها المذيع، ويدرك أهمية توفير المعلومات، وتوفير بطاقات الدخول التي تيسر عليه أداء مهمته بإتقان دون أن ينغص عليه أي اجراء يحول دون وصوله إلى موقع الحدث وسرد الوقائع كما يراها ويعايشها وهي الأمور الأساسية التي يجب أن توفر للمذيع ليقوم بواجبه خير قيام ويؤدي رسالته بالجودة والإتقان.
سليمان العيسى من جيل المذيعين الذين لم يفارقوا الميكروفون رغم تقلدهم لمناصب مختلفة وكبيرة وشواهد ذلك في وطننا العربي ماثلة وفي مملكتنا الحبيبة وجدنا ذلك ممثلا في المرحوم إبراهيم علي كانو، وأحمد سليمان، وعتيق سعيد، وعبدالرحمن عبدالله محمد، وحسن سلمان كمال، وسعيد عبدالله الحمد.
الذين وجدوا أنفسهم ملتصقين بالميكروفون حيث يعتبرونه محققا لذاتهم وميولهم ورغباتهم ويشعرهم بالحميمة ويربطهم بجمهورهم الأثير إلى نفوسهم.
رحم الله زميلنا ورفيق الكار سليمان العيسى وأسكنه فسيح جناته وتمنياتي للإخوة المذيعين والمذيعات التألق الدائم والتوفيق في أداء واجبهم وأرجو أن ينالوا التقدير الواجب والمستحق لهم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي
خليل الذوادي