بعض الذين يقدِّمون لك علمهم، يكونون كرماء.. لا يحتفظون لأنفسهم بأسراره, أولئك الذين يؤمنون بمبدأ المشاركة، والتكافل، والبذل، والإيثار..
والذين يعلمون أنّ إشاعة العلم مكسبٌ، وأنّ للآخرَ عندك حقَ الأخذِ بما أُعطيت من المعرفة.. لأنّ علمك رزق من ربك أعان جهدك فيه,..
هؤلاء هم ورثة الأنبياء، ذلك لأنّ الأنبياء لم يُرسلوا لعلوم السماء فقط، بل من أول ما يُعلِّمون علومَ الأرض, للبشر الذين يدبون فوقها، تربطهم علاقات، وتضبطهم قوانين، وتسيِّرهم أخلاق، وتسعدهم حقوق، وتنظمهم واجبات.. حتى الأذى على الطريق يتعلّمون خلق إماطته، كما الأكل على قارعة الطريق يذهب المروءة، والثوب النظيف دلالة على ذوق اللابس, في احترام عين الناظر..
هؤلاء تتفاوت أساليب عطائهم، ومستوى كرمهم.., فهم إنْ لم يكونوا معلِّمين يقفون في مدارج التعليم, والدرس عنهم يتلقّى المتلقّون مباشرة.., فهم قد يكونون مصنِّفين يضعون علمهم في القراطيس, من أجل أن يتلقّاه الناس قراءة، وتفكيراً.., وتأملاً..
أو هم أولئك الخطباء يديرون في المنابر أفكارهم، ويتشافهون بها مواجهة..
وقد تعدّدت راهناً وسائل نقل الخبرات، والعلم، والأفكار، ولعلّ منها وسائل الحوار القصير، وتبادل الرأي المباشر، في خلاصات الأفكار, فثمة ما للمتلقي من حقوق في قبول، أو رفض، أو نقاش، حتى تبلغ القناعة منزلتها من النفوس..
لذا فكل ذي علم مسؤول عمّا يُعطي.., في كل حال, وعلى أيِّها..
فمسؤوليته منوطة به، تبدأ بوزن الكلمة في ميزان الله تعالى, قبولاً، ورفضاً..
وتنتهي في مدى فائدتها، وتأثيرها، وتمكينها..
لأنّ العلم أمانة, والإنسان الذي كان جهولاً بمداها عند الله تعالى،, لم يَعُد جهولاً بعواقبها..
ففلاحُ الأمم مسؤولية علمائها، ومفكريها, ومعلميها، ومربيها، وكلهم هم هؤلاء..
وليتهم يكونون جميعاً كرماء..
على اختلاف معارفهم, وعلومهم، ومجالاتهم، المعرفية، والفكرية, والعلمية..
بل كل من اكتسب خبرة في الحياة، ويحتاجها ابن الحياة... فيقدمها بلا منَّة، ولا إيثار..
وبعض لا يقدمون ما يملكون من العلم، بخلاء على غيرهم، أشحاء على أنفسهم، أولئك في معزل عن الخير، لا يثري علمهم إلاّ متى عرضوه للشمس كي يقدح.. فيستطيب أكله، أو تشيع رائحته..
الناس لبعضها، والأرض مشاعة حتى يظن أهلها أنهم بعلمهم قادرون عليها، فتطوى..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855