عندما يقول الإنسان العقل نعمة، فهو كذلك، بل من أقوى النعم وأغلاها، وللإنسان أن يتصور أنه مكتمل النعم كلها، من صحة جسمانية وأكل وملبس ومال وغيرها من متطلبات الحياة، لكن نعمة العقل غير مكتملة أو غير موجودة، فماذا سيكون مصيره؟ وهل سيحس بطعم الحياة وتفاعله فيها؟.
حتمًا لن يحس بحلاوة وطعم وطمأنينة العقل الذي يساعده على التمتع بهذه النعم ويخلق له مكانة معنوية مع بني البشر الذين يعمرون الكون ويديرون شؤونه. ومن حكمة الله سبحانه أن جعل العقل المعطل كالبصر المجرد ترى الأشياء من حولك لكنك قد لا تستطيع التصرف أو الحكم عليها بتمعن ومنطق، وجعل العقل الفاعل المتفاعل كالبصيرة التي ترى وتميز الأشياء لتختار الصالح وتترك الطالح وتفرّق بين الألوان وتقرأ ما بين وخلف السطور. هذا هو الفرق بين العقل السليم وبين العقل المعطل أو المريض. ولتسمح لي عزيزي القارئ على هذه التوطئة عن العقل لأدلف إلى ما أقصده هنا حول تفاعلنا مع بعض الآراء والقضايا المحلية والإنسانية، وكل ما يخص مجتمعنا وتنمية وطننا. فهناك من يقول وهو يستمع للآراء السليمة الصادرة من مختلف التوجهات وعندما يستمع إلى بعض الآراء العقيمة التي لا تستند إلى منطق أو عقل أو علم أو دراسة فإنه يصاب بالذهوب لأنها لا تعكس آراء ناضجة لمجتمع متقدم في النمو يزخر بالجامعات ومراكز التقنية والتدريب وبآلاف الدكاترة والمتخصصين في علوم الحياة. ويتساءل الإنسان المدرك كيف يتم هذا؟ هل نحن فقراء عقول أم لدينا إعاقات في التفكير، وقد يعزو بعضنا السبب إلى الموروث الثقافي والسلوكي المتجذر والمسكون بالخوف من كل جديد سيما التقني والفكري، وكأن مجتمعنا ما زال يستمد نضجه من مجتمع القرية المتقوقع الرافض لكل جديد ولا يألف الأشياء إلا بعد التعود عليها والاطمئنان لها، وما ثقافة الخوف من تعليم المرأة عنا ببعيد، وإذا قال قائل إننا منذ تعليم المرأة قبل خمسة عقود وما زال هذا المسلسل يخيفنا عليها حيث تبع تعليمها خوفها من انخراطها في العمل ثم امتلاكها للجوال والقنوات والآن قيادتها للسيارة الذي كبر مع تقدمنا في العلم حتى أصبح بعبعاً جاثماً على عقولنا أكثر من عشرين سنة. بعض المراقبين لتحول مجتمعنا يقولون نحتاج والصورة هذه لمائة سنة لنتحول إلى التفكير السليم والمنتج. وأنا هنا أتساءل لماذا لا نقول الحقيقة ونفكر بالسليم بدلاً من تمترسنا خلف حجج ومفاهيم زائفة خوفاً من بعض مفاهيم المجتمع الواهية؟ لماذا لا نفعّل عقولنا ونقول الحقيقة بشجاعة الإنسان المبدع المفكر الصانع للحياة وليس المنقاد لها.
شقراء