تنوي المملكة منح مؤسسات المجتمع المدني حضوراً فاعلاً في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي، لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في التنمية، ومساندة الجهات الرسمية في أدوارها التنموية.
وتقوم مؤسسات المجتمع المدني على العضوية المنتظمة التطوّعية في قطاعات عامة أو مهنية أو اجتماعية، ويكون الرابط فيها منطلقاً من الولاء والانتماء لصيغة مشتركة هي الوطن، وتوصف العلاقات التقليدية التي تربط بين فئات المجتمع بأنها ولاءات أولية، حيث تشكِّل روابط منطلقة ومستندة على عوامل الوراثة وروابط الدم، مثل الأُسرة أو العشيرة والطائفية والقبيلة، وبالتالي فإنّ أهم معوّقات نجاح مؤسسات المجتمع المدني، هي علو كعب الولاءات الأولية على حساب الولاءات الأخرى.
فالطائفية والقبائلية والمناطقية لها حضورها القوي ولها أهميتها في البنية الاجتماعية، لكن مكوّنات المجتمع المدني الجديد، تقوم على روابط أخرى أعم وأهم وأكثر تحقيقاً للعدالة على مستوى الأفراد، فالمؤسسات المدنية هي: النقابات المهنية، النقابات العمالية، الحركات الاجتماعية، الجمعيات التعاونية الزراعية والحرفية والاستهلاكية والإسكانية، الجمعيات الأهلية، نوادي هيئات التدريس بالجامعات، النوادي الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية، الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال، المنظمات غير الحكومية المسجّلة كشركات مدنية مثل مركز حقوق الإنسان والمنظمات الدفاعية الأخرى للمرأة والبيئة، الصحافة المستقلّة وأجهزة الإعلام والنشر غير الحكومية، مراكز الأبحاث والدراسات والجمعيات الثقافية. وكلها تنظر للفرد كقيمة في ذاته وتجعل له انتماءً جماعياً يساند حقوقه تبعاً لقيمته كذات، وليس لانتماء عرقي أو طائفي أو مكاني ؟؟
وتعمل هذه المؤسسات وفق نظام تطوُّعي منظّم يدعم الجهود المشتركة لجماعة ما، ويساندهم في نَيْل حقوقهم وتطوير قدراتهم والرفع من مستوى معيشتهم، بجهد منتظم يساند جهود الدولة ولا يرمي العبء عليها وحدها، كما أنّ ما يميِّز هذه المؤسسات أنها لا تكتفي بما يُعرف « بالدور الإلحاقي «، أي معالجة المشكلات بعد حدوثها، وإنما تتجاوزه إلى « دور توازني « يسعى إلى تحقيق توازن المجتمع، والإسهام في عملية التحوُّل الاجتماعي السلمي نحو التطوُّر والتحديث.
ومن المهم جداً أن تأخذ هذه المؤسسات في تفكيرها ووعيها النقدي والتحليلي ومعالجاتها المتوازنة، بالنظرة الكلية الواسعة التي تنظر إلى أنّ مشكلات المجتمع المحلي والمشكلات الوطنية، تقع في كل مترابط مع المشكلات الإقليمية والدولية، وأنّ لكلِّ مجتمع صيغة مختلفة في تفاعله مع ما يدور في العالم الخارجي.
لدى المملكة تجارب سابقة ونماذج من هذه المؤسسات، فجمعية الصحفيين أو المجالس البلدية أو جمعية حقوق الإنسان وهي تجارب وليدة ولاشك، وفيها كثير من الالتباسات في أدائها، لكنها كانت تمريناً لأباس فيه .. يبقى أن نقول إنّ فتح الباب واسعاً لمؤسسات المجتمع المدني في السعودية، يعني أنّ تحولاً كبيراً ينتظر المجتمع الذي ظل طويلاً محاصراً بالولاءات الأولية.
f.f.alotaibi@hotmail.com
Twitter @OFatemah