المحبة عملية قلبية لا ترتبط بالأشخاص فقط، فهي كما تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان تكون بينه وبين المكان وربما النبات أو الحيوان أو حتَّى الزمان، ولسلف هذه الأمة مع رمضان الزمان علاقة حب ووجدان كبير، ولذا فقد كان الصحابي يدعو الله ستة أشهر بأن يبلّغه هذا الشهر العظيم.. وهي في الخلف كذلك إن شاء الله، فالمسلمون في شرق الأرض وغربها شمالها وجنوبها يحبون شهر القرآن ويبارك بعضهم بعضًا بلوغه، ويستعدون له والفرحة تغمر قلوبهم والبشر يعلو محياهم والأنس يملأ حياتهم.. ولعل من الشواهد التي بين يدي لحظة كتابة هذا المقال سيل رسائل مباركة من كل الأعمار والأمصار بقرب حلول شهر رمضان المبارك.
إن حبنا لأيام وليالي هذا الزمن الفاضل لما فيها من روحانية وسكينة وطمأنينة أشد ما يكون الإنسان حاجة لها خاصة في هذا الزمن الصعب، وتتعزز وتزداد هذه السجية “الروحانية” عند المسلم كلَّما ازداد تقربًا إلى الله في هذا الشهر العظيم بتلاوة القرآن، وصلاة التراويح والقيام، والصدقة والصلة.
إن النَّفس المطمئنة طموح إنسان هذا العصر، ورمضان بصدق فرصة ثمينة لمن أراد أن يكون مالكًا لهذا النوع من النفوس، فالسَّماء للتائب والمستغفر والداعي مشرعة الأبواب، ورحمات الله تتنزل صباح مساء، وشياطين الجن مصفَّدة، والمساجد وبيوت الله عامرة، والمصاحف بين يديك، وقلوب العباد مفتوحة وترحب بالمسامحة والمصافحة وعودة الود والإخاء بدل التنازع والشقاق، ولذا فهي دعوة من رب كريم لترقي الإنسان في سلم النفوس البشرية الثلاث وصولاً “للنفس المطمئنة” ونيله الرضا والرضوان وحصوله على شرف الفوز بأعلى الجنان.
ولصاحب النَّفس المطمئنة التي قد يكون هذه الشهر الكريم دورة تدريبية حقيقية للوصول إليها سمات ومميزات، أهمها في نظري:
o عدم التعلّق بالماديات والقناعة بالمقسوم.
o قراءات الأحداث بعين جديدة ورؤية متفائلة وبصيرة واعية تربط بين السبب والمسبب والفعل والنتيجة دون إهمال للسنن وتغييب للواقع وصرف نظر عن الإرادة الربانية القاهرة.
o هدوء في النَّفس وارتياح في الضمير وتعلّق بالله كبير.
o تأمّل وتفكر بصمت بعيدًا عن الضجيج والقيل والقال.
o توافق مع سنن الله الكونية في الحياة الشخصيّة والمجتمعيّة.
o ارتبط بالله قولاً وعملاً وحسن ظن به وتوكل عليه.
إنني مثل غيري أنشد أن أكون أنا وأولادي ومن تحت يدي ومن أحب من أوائل المسابقين لله في هذا الفرصة الثمينة “الوصول إلى درجة النَّفس المطمئنة” فهموم الحياة أثقلت الكاهل، ومتابعة الأحداث أرهقت الخاطر، وليس لها إلا الرب الرحيم القوي القاهر، ولذا أتمنى من جميع قنوات التأثير أن تكون عونًا لكل مسلم في هذا الشهر الفضيل للوصول إلى الطمأنينة والإنس بالقرب من الرحمن الرحيم خاصة ملاك قنوات الإعلام وخطباء وأئمة المساجد والدعاة والمحدثين.
إن الأصل في المسلم أن يبحث عن الأجر في هذا الشهر، وخلاف ذلك شذوذ عن القاعدة المسلم بها في ديننا الحنيف، والكل يربأ بنفسه عن ذلك خاصة من شهد لهم حبهم للخير واحتفائهم بأهله، وعُرف عنهم انتماءهم إلى بيوت دين وورع وتقوى وصلاح، والعقل والمنطق السليم يقول: إن كل من اقترف عملاً قد يخدش صوم المسلم أو يفسد عليه لذة عبادته هو عمل ليس فيه أجرٌ، بل إن صاحبه قد اقترف وزرًا -لا سمح الله- وحسابه على الله، ولذا فالمفترض أن يترفع عن هذا العمل المشين كل من عرف فضيلة هذا الشهر وخصوصيته وأدرك مزيته وعلم منزلته عند الله ثمَّ عند عباده عامتهم وخاصتهم عالمهم ومتعلمهم عربيهم وأعجميهم ذكرهم وأنثاهم كبيرهم وصغيرهم.
إنني وأنا أرقب وانتظر مثل ملايين المسلمين هلال هذا الشهر العظيم أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهله علينا بالأمن والأمان والسلامة والإسلام وأن يوفقنا فيه جميعًا لصالح الأعمال وأن يكون فيه عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين وكل عام وأنتم بخير وإلى لقاء والسلام.