لا تزال كثير من الدراسات البحثية والأكاديمية في العالم العربي والإسلامي التي في مضمونها تخاطب العقل والفكر الغربي حبيسة في أقاليمها، أشبه ما تكون في غرف مغلقة لا يسمع صوتها ولا يرتد صداها إلا لأصحابها.
لنأخذ مثلاً لذلك بما حصل قبل فترة حين ثار العالم الإسلامي من جميع جوانبه إثر ما نشر من صور مسيئة لشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحينها تنادت الدول والهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية في سبيل الاستنكار لهذا العمل، ثم ما لبثت أن هدأت العاصفة، والإساءة تتكرر بين فينة وأخرى.
ما الذي يدعو بعض الغربيين للإخفاق في فهم حقيقة شخصية النبي- صلى الله عليه وسلم- وصفاته الأخلاقية والإنسانية، ولماذا يحصل التحامل والافتراء على مثل هذه الشخصية الكريمة التي شهد لها غير المسلمين من المنصفين وعقلاء العالم في الشرق والغرب.
إن الأسباب في ظني لا تتجاوز أحد أمرين:
الأول التعصب المذموم الذي يجتر في اعتقاده ووصفه للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يطرحه الفكر البيزنطي والغربي في القرون الوسطى حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته وأخلاقه.
والثاني: الجهل بحقيقة الأمر وواقع الحال. أما التعصب ففي الحقيقة يصعب إيجاد حل لصاحبه، ولكن مما يهون أمره أن صاحبه ضعيف الحجة يسهل كشفه وتحجيم أثره في الوسط المحيط به، متى ما وجد فكراً ناضجاً وموضوعياً يستطيع أن يرد عليه بالحجة والبرهان. أما الجهل بحقيقة الأمر وواقع الحال التي كانت عليها شخصية النبي- صلى الله عليه وسلم- فنحن في الحقيقة نتحمل الجزء الأكبر من أسباب هذه المشكلة وتراكماتها في العالم الغربي اليوم.
فغالب الدراسات العربية المتميزة التي تتناول سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- وصفاته وشمائله لازالت حبيسة لغتها، ينعدم فيه فائدة مخاطبتها للطرف الآخر، وبالتالي تدور في دائرة لا تخرج فيها عن إقليمها الذي كتبت فيه، والذي هو في الغالب ليس لديه إشكال مع هذه المعلومات بل هي أشبه ما تكون بالمسلمات عند كل من ينتمي لهذا الدين.
ولهذا أقول: إن حركة الترجمة التي نشهد حالياً واهتمام الأمم بها، كل يعرض ما لديه من فكر وثقافة ومعتقدات بكافة الأساليب في عصر العولمة والقرية الواحدة، كل ذلك يقتضي منا أن نسارع فيها وأن نكون سباقين من خلالها بعرض ثقافتنا وديننا ومعتقدنا من خلالها ومتى تم ذلك استطعنا أن نصل لى عقول ووجدان أمم أخرى لا تفقه عناكثيراً، وما تفقهه في أحيان أخرى عبارة عن جوانب سلبية، وما ذاك إلا بسبب تقصيرنا في مخاطبة عقولهم بلغتهم التي يفهمونها، وصدق الحق إذ يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (4) سورة إبراهيم.
*المحاضر بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية