هل نحن نعشقُ العيش في نموذجية البلاهة والغباء؟ سؤالٌ قفز إلى ذهني واستحوذ على تفكيري من خلال متابعتي لمسابقات السخرية والتهكم بعقول البشر عبر قنوات فضائية تخصصت في ذلك أيما تخصص.. ونجحت بامتياز في إفلاس الجيوب وسرق الوقت وإفساد العقول لأنها وجدت من يلتفت إليها.. إنهم البلهاء والأغبياء وكثرٌ في زمن أصبح فيه الضحك على عقول البسطاء والساذجين واللعب على أوتار أحلام الفقراء لا يحتاج إلى تراخيص.
عجبي ثم عجبي لتلك الفضائيات المتخصصة بحشو الأدمغة بمسابقات خاوية المضمون والقيمة.. وأحاجي تعتمد التلاعب بالألفاظ وبأسلوب رخيص.. تطرحه على بلهاء متابعيها الذين أغرتهم ما تقدمه هذه القنوات من مغريات بآلاف الدولارات الوهمية والعروض الخادعة.. وعجبي ثم عجبي بمتصلين يجيبون إجابات غبية وتوحي بأن الاتصال يتم من داخل الإستديو ومع أشخاصٍ متفق معهم مسبقاً.. والنهاية هي تجسيد وهم المكسب بعدم وجود فائزٍ حقيقي لتلك المبالغ الطائلة المعلن عنها.
قصة سرقة الملايين وجني الأرباح من خلال طرح أسئلة تافهة ووعود بمكاسب وهمية.. أصبحت تحتل مكان الصدارة في قنوات فضائية تم إنشاؤها وتخصيصها لهذه الأهداف الرخيصة وما يندى له الجبين حقيقة هي تلك الأسئلة والأحاجي التافهة الخاوية من كل معنى للثقافة والمعرفة تُطرح وتُكرر دون ارتباط بفترةٍ زمنيةٍ محددة طمعاً في مزيد من الاتصالات لتحقيق مزيد من المكاسب والأرباح على حساب المتصلين.. إنها عملية خداع مستمرة قائمة على الإغراء.. والدعوة الكاذبة لتحقيق حلم الثراء دون عناء والسعي لإفلاس العقول والجيوب.
قنوات شعارُها {كثف اتصالك لتزيد فرصة ربحك} أجب وأنت في مكانك!! مدينة فرشها أحمر أسوارها خضراء مفتاحها من حديد؟ اسم ولد يتكون من أربعة أحرف إذا أضفت نقطة لأول حرف أصبح شيئاً ثميناً تلبسه في أصبعك؟ وهكذا دواليك من أسئلة تافهة عديمة الجدوى.. تعبث بعقول متابعيها.. تهدم أصول اللغة وتهمش التكوين الثقافي.. تشوه عراقة ونبل المهنة الإعلامية وتغيب العقول عن البحث العلمي والمعرفي.. ولو كان الإدريسي أعظم علماء الجغرافيا والذي أعاد رسم خريطة العالم متواجداً في عصرنا الحالي.. لفشل في حل لغز المدينة ذات الفرش الأحمر.. ولضحك من أعماقه وصفق بقوة لأغبى الأغبياء الذي يتمكن من فك شفرة هذه المدينة.. ولو كان سيبويه حياً لساوره شكٌ في تخمين اسم الولد الذي وبإضافة نقطة في حرفه الأول يتحول إلى شيء ثمين فيدفعه الشك إلى طلب خيارات لكن وبكل مقاييس قواعد اللغة العربية سيفقده حماسه وضع إصبعه على الاختيار الصحيح.. ولو شارك أبوالأسود الدؤلي في مسابقات الخداع والمكاسب الوهمية.. لاختزل جميع نقاط الأحرف الأبجدية في نقطة واحدة موقناً بفعلته تلك أن جائزة آلاف الدولارات {المعلن عنها وهماً واحتيالاً} ستكون من نصيبه لامحالة.
موجة القنوات الفضائية التي شعارها{ اتصل واكسب} باتت تشكل خطراً جسيماً على المجتمع وما هي إلا حبائل صيد تقتنص القلوب الضعيفة وتصطاد النفوس الغافلة.. مسابقاتها تسطيحٌ للفكر وإشغالٌ لعقول الناس بالسيئ عن المفيد بل هي قتلٌ لروح العلم والمعرفة والإبداع وتقزيم للثقافة.. وضخ لمعلومات تشل الذهن فلا يقوى على التأمل والتفكير والبحث المعرفي المثمر والتقصي والإستنتاج.. ناهيك عن اشتمالها على كثير من الأخطاء التي قد يعتاد عليها من يتابعها ويعتقد صحتها.
قنوات الخداع على الهواء سطحت العقول وسرقت الأوقات واستنزفت الجيوب ولعبت على أوتار المكاسب السريعة.. فهل لنا أن نقتنع جميعاً بمجمل الأخطار التي تكمن وراء شعار {اتصل واكسب أو كثف اتصالك لتزيد فرصة ربحك} لاسيما في عصر المعلومات حيث لم يبق هناك في اعتقادي متسعٌ لأي قمرٍ صناعي يدور حول الأرض وبالتالي نقنع أبناءنا بذلك؟. لعل من المفيد أن يكون خيار المواجهة الإيجابية للرقي الإعلامي ولحماية عقولنا وأنفسنا وتجنيب أفراد المجتمع من أوهام وخداع هذه القنوات التي تبث السم الزعاف هو نشر الوعي في جميع أوساط المجتمع بكافة فئاته العمرية حول التأثير السيئ لما يُبث ويُعرض من خلال هذه النوعية من القنوات.. وألا نلهي أنفسنا بمتابعتها في عصرٍ فغر فاهه ليبتلع كل شيء.
zakia-hj1@hotmail.com