مضى حتى الآن عام كامل منذ أن توقف جلب العمالة المنزلية من إندونيسيا، بحجة توقفها مؤقتاً، لحين إصدار قانون واضح ومحدد ينظّم العلاقة بين الطرفين، العاملة المنزلية والكفيل، إلا أنه لا جديد في هذا الأمر، كما لو كانت المفاوضات، تحولت إلى أمر شائك، لا يمكن حلُّه، ولعل الأكثر غرابة أن يتم تدشين أول شركة استقدام عمالة، لتبدأ كما لو كانت عرجاء أو حتى مشلولة، خاصة أن معظم العمالة المنزلية، وبما يقارب 80 % منها، هم من جنسيتين اثنتين فقط: إندونيسيا والفلبين، وهما الدولتان اللتان توقف جلب العمالة منهما، بالتالي لن تحقق هذه الشركة أي نجاح، ولن تحل مشكلة السوق العشوائي للعمالة في السعودية.
الأمر تحول إلى مأزق حقيقي لدى الأسر السعودية، وتحول السوق إلى بيع وشراء كما هو شراء الرقيق، وتتصاعد حدة الاستغلال مع شهر رمضان الكريم، بينما وزارة العمل تشاهد ما يحدث بصمت، كل ما هناك أنهم حاول التفاوض مع هاتين الدولتين، ولم يستطيعوا أن يحققوا أي تقدم يذكر، رغم أن لائحة تنظيم العلاقة بين العاملة أو العامل وبين الكفيل، تم إنجازها منذ عام 1426هـ، أي قبل سبع سنوات ولم يتم إقرارها، وكأننا سنصنع مفاعلاً نووياً، لا مجرد لائحة نظامية، تنجزها معظم الدول في غضون أشهر قليلة.
ما جدوى أن تمنح 14 شركة موافقة مبدئية لممارسة استقدام العمالة، إذا كانت المشكلة في النظام وإنجاز المفاوضات؟ وما جدوى أن تصدر إحدى هذه الشركات سجلها التجاري لتبدأ فعلياً العمل، وخصوصاً أن المصدر الحقيقي للعمالة المنزلية هما إندونيسيا والفلبين؟ علينا ألا نضحك على أنفسنا، ونعتقد أن الحكومة الإندونيسية متورّطة في شأن البطالة بسبب توقفنا عن استقدامهم، متى نفهم أن هذه الدولة تسير بثبات نحو الانضمام لمجموعة العشرين؟ وأن هذه الدولة لا تتقدَّم على المستوى الصناعي والزراعي، بل حتى على المستوى التعليمي، وذلك يعني أن تعليم هذه العمالة وتثقيفها، هو ما يجعلها تدرك أن زمن الاستعباد والإهانة قد انتهى، فهو زمن الحقوق والواجبات التي تطالب بها العمالة المنزلية، وهي كانت ظاهرة منذ سنوات بعيدة لدى العاملات الفلبينيات، ثم انسحب الأمر حتى على العمالة الإندونيسية، فهم أصبحوا يدركون أن من حقوقهم تحديد ساعات العمل، وحق الإجازة الأسبوعية، والعلاج، باختصار انتهى زمن السخرة والعبودية.
من جانب آخر، أجد أن الأمر المؤرّق والمربك، هو في تكوين الأسرة لدينا، فلم تكن الأسر الكبيرة مجدية في عددها كما كان أجدادنا، يتنافسون على النسل الأكثر، لأن هؤلاء منتجون في الأرض والفلاحة، ولم تصغر هذه الأسر، كما في دول العالم، بسبب الظروف الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والازدياد المستمر في معدل التضخم، وعدم قدرة هذه الأسر على مواجهة هذه الأزمات.
هل يمكن أن يتحول جميع أفراد الأسرة إلى منتجين داخل بيوتهم الصغيرة، وأن يتولى كل فرد المهام المكلَّف بها؟ ويتحول الإنسان عندنا إلى إنسان منتج وفاعل، لا مجرد إنسان اتكالي ومهمل وغير مؤثّر داخل بيته؟ هذا هو السؤال الذي علينا أن نجهز له الإجابات العديدة، ومقترحات التغيير المنتظرة.