إنّ هذا التحوُّل (الضَّخم) الذي حدث في بلدين مسلمين كبيرين مؤثِّرين، (تركيا، ومصر) ليؤكِّد لنا حقيقة كبيرة لا ينكرها إلاّ غافلٌ عنها، محجوبٌ عن تأمُّلها بحجاب المعاصرة، أو مكابرٌ لا يريد أن يرى هذه الحقيقة، ولا يتأمَّل ما قبلها وما بعدها ولا يعرف أسبابها، أو أنه يعرفها فيتجاهلها، إنها حقيقة العودة إلى الفطرة السليمة وإلى دين الله الحقِّ في العالم الإسلامي بل في العالم كلِّه.
تركيا التي اختطفتها العلمانية من نفسها، وفصلتها عن تاريخها الإسلامي الطويل، وأقسمتْ أن تحوِّلها إلى بلد علماني لا دينيٍّ ممسوخ، واستخدمَتْ في هذا السبيل وسائل القمع والإرهاب، والتضليل والإغواء، حتى أصبح رفع الأذان في تركيا إثماً عظيماً يعاقب مرتكبه بالسجن، والإهانة، وأصبحت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى إساءة إلى المجتمع والدولة، ربما يعاقب صاحبها بعقوبات مغلَّظة كالسجن الطويل، أو القتل.
تركيا التي انفتح قانونها العلماني على أوروبا، فتحوَّلت مساجدها إلى متاحف يزورها السائحون من كلِّ مكان بملابسهم المزرية نساءً ورجالاً دون مراعاة لحرمة بيوت الله، وانتشر فيها الاختلاط والفساد الأخلاقي بصورةٍ مخيفة لم تكن تخطر لمسلمي تركيا على بال.
تركيا تلك تتحوَّل بجهود دعوية إصلاحية إلى الحقِّ بعد رحلتها المضنية مع الباطل، وما كان لتلك الجهود أن تثمر لولا توفيق الله، وتأييده لكلِّ من دعا إلى الخير، وأرشد الناس إلى الحق مهما كانت الإمكانات ضعيفة، ومهما كان مكر الأعداء كبيراً بل هو (مكر كُبَّار) كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً}، وهي صيغة مبالغة تدل على عظم كيد الأعداء ومكرهم.
ومصر، وما أدراكم ما مصر، عاشت سنوات طِوَالاً من التغريب وإرهاب الدُّعاة والمصلحين حتى خرجت فيها خارجة من الشباب المسلم انفصلت عن العلماء الكبار والفقهاء المعتبرين واتخذت لنفسها منهجاً عنيفاً واجهت به أجهزة الدولة، وشرائح المجتمع، ظانَّة أن ذلك المنهج هو المنهج الأصوب في مواجهة الفساد المستشري دينياً، واجتماعياً، وسياسياً، فوقعت فيما وقعت فيه من الأخطاء الجسام.
مصر (أرض الكنانة) التي تأخرت عن دورها الكبير في العالم الإسلامي على مدى عشرات السنوات، وتقلَّص دور (أزهرها) حتى أصبح مؤسسة كغيرها من المؤسسات الرسمية التي تؤدي بعض دورها برتابة قاتلة وجمود مشين.
مصر التي أصبحت قدوة للفنِّ (الرّخيص) غناءً وتمثيلاً ومسرحاً، وأدباً حداثياً إلحادياً ساقطاً فترة من الزمن، مصر (هذه)، تسري فيها منذ سنوات روح العودة إلى الفطرة السليمة ودين الله الحق، وتظلُّ تستعيد نفسها من براثن الإفساد حتى تصل إلى هذه المرحلة التي يُصرُّ فيها الشعب المصري على العودة إلى منابع دين الله، فيخلع رئيساً حكم أكثر من ثلاثين عاماً ويجعله سجيناً، وينتخب سجيناً كان يعاني من سطوة النظام ويجعله رئيساً.
أليس هذا تحوُّلاً عظيماً في هاتين الدولتين المسلمتين الكبيرتين؟ ألا يفرح بهذا التحوُّل كلّ مسلم مهما كان مختلفاً مع هذه الدولة أو تلك، أو مع هذا الرئيس أو ذاك؟
أولا نفرح نحن في بلاد الحرمين الشريفين بهذا التحوُّل ونحن أعرف الناس بجمال دين الله وكمال تشريعه، وعدل أحكامه؟
أفلا نفرح لإخوتنا المسلمين أن يعودوا إلى طريق الحق في سياستهم وأنظمتهم حتى يجدوا طعم الحياة الحقيقي كما نجده نحن - بفضل الله - أمناً واستقراراً في ظلِّ راية تخفق بكلمة (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله)؟
أفلا يحق لنا أن نعجب لبعض كتّابنا وكاتباتنا الذين عاشوا في ظلِّ الإسلام، وهم يلهثون وراء شعارات خاسرة، لهثت من قبلنا وراءها دول عربية وإسلامية فما رأت إلاّ السّراب، وها هي أمام أعيننا تعود إلى الصَّواب؟
أسئلة ما أظنُّها إلاّ معروفة الجواب.
إشارة:
ومصر ريحانتي والشام نرجستي
وفي الجزيرة تاريخي وعنواني