|
الجزيرة - سيئول:
تستمر صحيفة الجزيرة اليوم الثلاثاء في عرض نصوص أوراق العمل والمحاضرات والندوات المشاركة في البرنامج الثقافي لمعرض سيئول الدولي للكتاب 2012م الذي اختتم فعالياته هذا الأسبوع، حيث شاركت المملكة في المعرض كضيف شرف، وقد رغبت «الجزيرة» إتاحة الفرصة أمام القراء والمهتمين للاستفادة مما احتوته هذه المشاركات المتميزة من بحوث ودراسات ومعلومات قيمة رغبة في الإفادة منها ثقافياً وعلمياً.
ويسرنا أن ننشر في هذا العدد مشاركة أ.د مرزوق بن تنباك - جامعة الملك سعود والتي ألقيت تحت عنوان (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) وفي ما يلي نص أوراق العمل والمحاضرة:
الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية
أ. د. مرزوق بن تنباك - جامعة الملك سعود:
تمر المملكة العربية السعودية بنهضة فكرية وأدبية شاملة وتستشرف مستقبلاً علمياً حافلاً بالعطاء الأدبي والفكري الذي نهض به أدباء وعلماء هذه البلاد منذ تأسيسها قبل مئة عام حين تمت الوحدة الشاملة التي أصبحت تعرف بالمملكة العربية السعودية وهي قبل ذلك وبعده أرض الحرمين ومهبط الوحي ومأرز الإيمان فقد كانت أرض الحرمين منبع العلم ومنبت الإسلام، لم تنقطع ولم تتوقف رسالتها الدينية منذ نزول القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى اليوم في أرضها الطاهرة المباركة. لكن ما تحاول هذه الورقة الحديث عنه وتتبعه هو نهضتها الأدبية والفكرية المعاصرة التي شهدتها المملكة العربية السعودية حديثا وتشير ولو باختصار غير مخل إلى قيام المؤسسات الفكرية والعلمية بكل صنوفها وتنوع اختصاصاتها وتعدد مجالات عملها بما يجب أن تقوم به من تسريع في الحراك الأدبي وتوسيع في مجال المعرفة في كل شؤونها ومواضيعها ومتطلباتها حيث تصب كلها في مجال واسع هو ما نسميه التنوير العام الشامل والنهضة الفكرية التي قامت على أسس ثابتة ورؤية إستراتيجية مدروسة في هذا الوقت المعاصر إذ شهدت المملكة العربية السعودية نهضة علمية وفكرية معاصرة تمثلت في اتساع رقعة النشاط الفكري والأدبي وتعدد أوعيته وموضوعاته وأغراضه ومحاضنه التي نشأت حديثا وسنلخص هذا الحراك الفكري والأدبي في عدد من المحاضن التي أنشئت لتنهض برسالة الأدب والتنوير الشامل في كل أنواعه وموضوعاته العلمية والفكرية والأدبية، وباختصار لتكون منطلقا واسعا ومجالا رحبا لمختلف العلوم والآداب، ويأتي في مقدمة هذه المحاضن الصحافة والطباعة، والمكتبات العامة والخاصة، والجمعيات، والنوادي الأدبية، وقبل ذلك التعليم بكل مستوياته وبكل أغراضه وفنونه، التعليم العام، والتعليم العالي، والتعليم المهني والصناعي، من المؤثرات في الحركة الأدبية، وسنقف عند كل حقل من هذه الحقول المعرفية ونتحدث عن دورها في:
مشروع الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية
وكيف سارت رحلة الكلمة وانتشرت المعرفة، واتخذت المملكة مكانها الوسط بين دول العالم المعاصر ثقافيا وعلميا، وقامت بها حركة دؤب تهدف إلى توسيع قاعدة الأدب الذي تنتجه أوعية كثيرة سنشير إلى أهمها فيما يأتي.
الوعاء الأول الصحافة:
بدأت حركة الأدب في عهدها الحديث مع أول ما أنشئ من الصحف المحلية التي تأسست أوائلها منذ وقت مبكر، وقام بتأسيس هذه الصحف الأفراد النابهون من أبناء الوطن المخلصين له وللكلمة الطيبة، فكانت هذه الصحف ميدانا رحيبا ومجالا واسعا لرجال الفكر والأدب، يتبارون على صفحاتها في نشر إنتاجهم الأدبي من الشعر والنثر، وكل الفنون المتعلقة في هذا الشأن، ويؤسسون مناهج للتفكير الحر الذي تنهض به الصحافة، وقد اتسع دور الصحافة المحلية، عندما وجد فيها القراء بغيتهم، فاهتموا بما يطرح فيها من أفكار وآراء وما يعرض من نصوص من التراث القديم أو الحديث، فكانت استجابة هذا القطاع لكثير من الناس حافزاً للقائمين على الصحافة وفتح أبوابها للأقلام التي تريد أن تشارك في تسطير الأدب والفكر والنهوض بجانب مهم من الحركة الفكرية، وهو مظهر الإبداع والاهتمام بالمبدعين، ووعاء لأقلام الطليعة الشبابية التي استفادوا من تجارب كبار الكتاب الذين كانت تجاربهم وخبرتهم مدرسة مفتوحة الأبواب تصل إليهم بفضاء مفتوح، هو فضاء الصحافة الذي لا تحده حدود. فالصحيفة تدخل كل بيت وتصل إلى كل يد، ولهذا كان تأثير الصحافة الأدبي كبيرا على قطاع لا يستهان به من أبناء البلاد في عصرها الأول ثم كان بعد ذلك أن نشأ جيل من الكتاب الذين امتهنوا الصحافة، وكانت تجربتهم الفكرية والأدبية رصيدا للأجيال التي أتت بعدهم، وعززت مسير الأدب في كل فروعه ومناهجه، ومن هنا جاء جيل من العلماء واسع الاطلاع محترف في الكتابة والتثقيف، مخلص لمبدأ التوعية والتنوير الذي يحتاجه المجتمع في ذلك الوقت. وقد عكس رؤيته وقراءته على مشهد الحركة الأدبية في كل أبعادها الفكرية، وسار بها إلى مراحل النضج والإتقان، ومن هذا المنطلق اتخذت الصحافة منهج التوعية والتعليم مع اتجاه الأدباء السعوديين إلى الاهتمام بتأليف الكتب ونشر الأسس العلمية التي صارت فيما بعد مرجعا للتالين من كتاب الصحافة وأدبائها، واستفاد من هذه التجربة الأولى جميع من جاء بعد فترة ازدهار الصحافة في سنيها الأولى وقد أشرنا إلى وعاء الصحافة أولاً، لأنه الوعاء الذي بدأت به بوادر النهضة العلمية والفكرية الرائدة وهيأ السبيل السهل لممارسة النشر الحر، وطرح أدب البدايات التي اتصل عملها واستمر الوعي المنظم بين الناس بقيمة المعرفة، وأهمية اكتسابها وقد حظيت الصحافة منذ بداياتها بمساحة من الجدل المنظم الذي شجع المتابعين لما ينشر، ولسيما بين العلماء والأدباء والكتاب الذين كونوا كثيرا من المعجبين بإنتاجهم والمتابعين لهم وقد نتج عن هذا التطور حرية فكرية أدبية أصبحت تقود مسيرة الأدب في كل مرافق الحياة العامة والخاصة مع ازدياد عدد الصحف وتنوع أغراضها وتعدد كتابها والمشتغلين فيها.
الوعاء الثاني التعليم العام:
كان التعليم العام أحد المرتكزات الأساسية التي أسست لنهضة علمية وأدبية واسعة المجال في كل أرجاء البلاد، وهذا الحال غير حياة الناس من الركود الثقافي الذي كان سائدا إلى حركة أدبية دائبة، إذ إن الدفع لكل الشباب في سن الدراسة قد وجه إلى المدارس وإلى التعليم ولزم ذلك التوجه استقدام كفاءات عالية من المعلمين والعلماء الذين عهد إليهم بالتعليم في كل المراحل الدراسية، مما كانت نتيجته نهضة علمية وأدبية شاملة فتوسعت دائرة التعليم، واتسعت مساحة المعرفة بين قطاعات كثيرة من المجتمع السعودي، لم تكن قبل المدارس تهتم بالأدب ولا بالتعليم بسبب انتشار الأمية وانشغال العامة بشؤون حياتهم اليومية، ولكن ذلك الحال تغير سريعا، عندما توجهت الدولة إلى التعليم وإلزام الناس به، ولم يلبث الأمر إلا قليلا حتى أصبح التعليم مطلبا لكل أبناء الوطن، وأخذ عدد منهم بحظ وافر من المعرفة التي قادت بالضرورة إلى فتح أبواب الأدب والتعلم أمام أعداد كبيرة من الناس فساقهم التعليم بطبيعته إلى احتراف الأدب والاتصال بالثقافة العامة، وقد تهيأت فرص كبيرة لهؤلاء المتعلمين إلى ممارسة الكتابة مبكرا، واستمرت رغباتهم في مواصلة التعليم وفتح مجال المعرفة الواسعة، والمشاركة في عرض آرائهم والتعبير عنها في أوعية النشر المتعددة، مما أثرى الساحة الفكرية والأدبية بكثير من الكتاب والمؤلفين، ولا يمكن أن نغفل الدور الريادي الذي اتخذته الدولة للتوسع في مجال التعليم، ووضع الاستراتيجيات الشاملة حيث لا يمكن التساهل في المسيرة التعليمية المميزة للمملكة العربية السعودية، وكان الامتداد الأفقي أول الأمر هو هاجس المخططين للتعليم ثم لم يلبث الأمر أن اتجه النظر إلى التعليم الرأسي حيث تلتقي مقاصده ورسالته مع التعليم الأفقي الذي أصبح يناله كل فرد من المواطنين في أي موقع كان في طول البلاد وعرضها، ومع انتشار التعليم العام كان لابد من وضع النهج الدراسي المناسب لكل مستوى من مستويات التعليم العام، ولكل تخصص تتحد أغراضه مع الأهداف التي ترجى منه، وهذه هي الأخرى أضافت اهتماما في الحركة الأدبية حيث كان تداول الكتاب المدرسي طريقا إلى التعود على منهج القراءة لكل الأفراد داخل البيئة التي تهيأت بطبيعة الحال نتيجة حتمية لدورة ثقافية شاملة وعامة لم تقتصر على فرد دون آخر.
الوعاء الثالث التعليم العالي:
نتيجة منقادة مع المقدمات التي سبقت لانتشار التعليم العام وشموله لكل فئات المجتمع السعودي واتساعه لكل المناطق والأرياف والقرى والهجر، مما أوجب مواكبة فاعلة لما هو أعلى من ذلك، فبدأ التعليم العالي في كل تخصصاته وعلومه وهو أحد أهم أوعية الإبداع الأدبي والفكري، وكان انتشار الجامعات بكل تخصصاتها والكليات العلمية بكل أغراضها هي إحدى ثمرات الجهود العالية التي توجهت إليها الدولة بكل قدراتها وإمكاناتها، وكان التوسع غير المسبوق في عدد الجامعات والكليات الجامعية، وفتح المجال للدراسات العليا في كل الجامعات إحدى مظاهر الحراك الأدبي في المملكة العربية السعودية، ولكي نضع النقاط على الحروف، فقد وصل عدد الجامعات في المملكة إلى أكثر من خمسين جامعة، وكلية جامعية، وأصبح منسوبو الجامعات وأبناؤها وأساتذتها مصدرا ثرا للفكر والأدب، وكانت أروقة الجامعات بوتقة صهرت الإمكانات لأعضاء هيئة التدريس فيها مع طلابها والنابهين من منسوبيها، وأصبحت الجامعات تعج بحركة فكرية دائبة، وتؤتي أكلها في كل مجالات العلوم والفكر والأدب الرفيع، ولا توجد جامعة من هذا العدد الكثير في المملكة اليوم إلا ولديها هاجس نشر المعرفة، وقد تمثل هذا الهاجس في الكثير من المجلات العلمية والصحف الجامعية التي تزود أبناءها بنصيب من المعارف عامة وخاصة، واحتوت الجامعات فنونا شتى من المعارف والآداب وأصبح أعضاء هيئات التدريس يقدمون أعمالا أدبية وفكرية في كل المجالات المعرفية، وقد ميز هؤلاء الأساتذة إنتاجهم الأدبي بمنهجية معرفية أكاديمية، ارتقت بالأدب ونصوصه على قمة المدرك العلمي والضبط والدقة في طرح آرائهم وأفكارهم ولا تكاد تمر أيام أو أشهر إلا وهناك عدد من المؤلفات العلمية الرصينة التي تضيف جديدا إلى قائمة المعارف الإنسانية المشتركة، وتعطي زادا نافعا للقراء، وأهل الاختصاص بتعدد مميز لما يقدمه هؤلاء الطليعة من الباحثين والعلماء للحركة العلمية والأدبية في المملكة العربية السعودية.
الوعاء الرابع الأندية الأدبية:
الأندية الأدبية إحدى أوعية الحركة الأدبية في المملكة ومصدر للثقافة الحقيقية التي لا أظن لها مثيلا في غير المملكة العربية السعودية حيث إن إنشاء مؤسسات مهمتها واختصاصها خدمة الحركة الأدبية دون غيرها من العلوم، قضية غير مسبوقة فيما أعلم فقد قامت في أغلب مدن المملكة ومحافظاتها وفي كل مناطقها مؤسسات تقوم أهدافها على تنشيط حركة الأدب خاصة، وتشجيع الأدباء والكتاب والمفكرين على السير في مشروعات كبيرة تخدم فنون الأدب بكل أنواعه وأغراضه، وتشرف على هذه الأندية وتمول نشاطها وزارة الثقافة والإعلام السعودية، وترصد ميزانيات لهذا الغرض العلمي، وتوجه كل اهتمامها إلى مشاريع أدبية وثقافية واسعة الانتشار، وتهتم بشكل خاص بنشر مؤلفات الشباب وإبداعاتهم في كل فنون الأدب وموضوعاته، مثل المقالة والرواية والقصة والشعر والمسرحية وغيرها من الأغراض، وقد نشطت حركة التأليف لهذه الفنون نتيجة لما تقدمه الأندية الأدبية من مساعدات للشباب الذين قد تحول قدراتهم المادية عن نشر إنتاجهم الفكري في كل الموضوعات فوجدوا عوناً لهم في هذه الأندية. كانت فكرة قيام الأندية الأدبية فكرة رائدة، وغير مسبوقة في الوطن العربي فيما أعلم وقد كانت حصيلة إنتاجها خلال السنوات القليلة الماضية آلاف المؤلفات من كل فن أدبي وفي كل موضوع علمي مما حشد الكثير من القراء للكتب التي أسهمت إسهاما كبيرا في توسيع دائرة المعارف وأكثر من ذلك أسست هذه الأندية لبداية العمل الأدبي المؤسسي حيث تأخذ بمبدأ الانتخاب المباشر لهيئاتها الإدارية والعاملة كما زاد نشاطها بعد أن قامت وزارة الثقافة والإعلام بتبني مشاريعها الأدبية وخصصت لكل ناد ميزانية مستقلة، وليس هذا فحسب بل بادرت هذه الأندية بوضع المسابقات الثقافية العامة ورصدت للمتميزين من الكتاب مكافآت سخية دفعت بالشباب إلى ميدان القراءة والاطلاع والتنافس على الإبداع الجيد والتسابق على النشر والتأليف في تحول ظاهر إلى الاحتراف الكتابي والإنتاج الأدبي.
الوعاء الخامس وعاء دور النشر:
كان من الطبيعي أن يصاحب النهضة الأدبية والفكرية في المملكة العربية السعودية أوعية أوسع وأشمل لهذا الحراك الأدبي الفاعل والنهضة المعرفية الشاملة، وكانت دور النشر هي الوسيلة الممكنة التي يتوجه إليها الأدباء والكتاب والمؤلفون لنشر إنتاجهم وطباعته، وتوزيع الكتاب السعودي في الداخل والخارج، وقد كان لصناعة الكتاب بكل صنوفه أثر جعل دور النشر تتنافس عليه وتحرص على أن تأخذ حصتها كاملة من هذا السوق الرائجة، ولهذا توسعت الدائرة، وتعددت دور النشر في كل أرجاء الوطن وفي كل مناطق المملكة وقراها، وقد أحصت مكتبة الملك فهد أكثر من ستمئة دار نشر، وهذا العدد الكبير من دور النشر والناشرين يعطي دليلا على مدى اهتمام المواطنين على كافة مستوياتهم بأهمية الكتاب، كما يشير إلى نشاط القراءة وحرص القراء على ما تنتجه المطابع، وأن هناك رحلة مستمرة دائمة تبحث عن الجديد النافع من صنوف المعارف، ولاسيما الأدب بكل أنواعه، وقد كان لدور النشر مساهمة مشكورة هو الاهتمام برغبات القراء وتلبية ما يحتاجون إليه ويطلبونه، ونشطت صناعة الكتاب والقيام على تقريب الجيد منه إلى القراء سواء كان من مؤلفات السعوديين أو غيرهم فرحلة الكتاب رحلة غير محدودة والأيدي التي تتناوله كثيرة.
الوعاء السادس الجمعيات العلمية:
تعد الجمعيات العلمية إحدى مصادر الحركة العلمية وإحدى مؤسسات المجتمع المدني، وهي بطبيعتها ذات نفع عام، وتخصص دقيق في إثراء البحث العلمي، وقد كان للجمعيات العلمية مشاركة فاعلة حين صارت هذه الجمعيات، وما تنشره من بحوث ودراسات أداة ناجحة في صقل مواهب العلماء الباحثين الذين تستقطبهم هذه الجمعيات العلمية، وتقوم بنشر أبحاثهم ودراساتهم، وأعضاء الجمعيات العلمية هم بالغالب الأعم من أساتذة الجامعات ومن العلماء الأكفاء في البحث الرزين المنتج للمعرفة النافعة، وقد كان عمل الجمعيات العلمية يتوجه إلى كل التخصصات دون استثناء، وقد بدأت تؤتي ثمارها في توجه محمود إلى البحث العلمي الذي يهتم بقضايا كثيرة وشاملة علمية وأدبية وفكرية واجتماعية واقتصادية، ونالت الجمعيات العلمية اهتمام الباحثين والدارسين، وجميع فئات المجتمع السعودي، وأصبح ما تصدره من أبحاث ومؤلفات زادا علميا رصينا يعود إليه الباحثون والدارسون ويكون مصدر معرفة وعلم، وكان للحراك الأدبي مجال واسع في بناء جسور التواصل بين ما تنتجه هذه الجمعيات العلمية والمتلقي الذي يبحث عن المعرفة لذاتها ويجد ضالته في هذا الرصيد الضخم من الإنجازات الأكاديمية المنهجية المتقنة.
الوعاء السابع وعاء المكتبات العامة:
تعد المكتبات العامة إحدى وسائل الاطلاع المعرفي ومحضن الكتاب الذي هو مطلب القراء والرواد للمعرفة العامة والخاصة، وهي من مرتكزات الحراك الأدبي الأصيل حيث كانت هذه المكتبات مساهمة في النهضة الأدبية، ومسرعة في الحراك الأدبي الذي أخذ يمتد على مساحة الوطن، وذلك لما تحويه من مصادر أصيلة معرفية وأدبية، وما تهيئه لروادها من فنون شتى من المعارف، وقد حفلت المملكة العربية السعودية بعدد كبير من هذه المكتبات العامة، وكذلك المكتبات الخاصة حيث تفتح أبوابها للاطلاع على ما فيها من كنوز العلم، فكان انتشار المكتبات العامة إحدى الظواهر التي أصبحت تمتد على مساحة الوطن وتقدم خدماتها للناس كافة، ويكون الاطلاع أحد أهم ما تقوم به لكي تختصر الطريق على طلاب العلم والمعرفة، وهي لا شك وعاء مهم من أوعية حركة الأدب وتكوين المعرفة، مع ما تقدمه من دورة سريعة للكتاب بكل موضوعاته واختصاصاته. أضافت المكتبات العامة حقلا مهما من حقول الاطلاع ويسرت طرقا كثيرة للتزود من مناهل المعرفة العلمية الرصينة وفتحت مجالا رحبا هو الكتاب بكل معانيه ودلالاته وثقافته والاهتمام به.
الوعاء الثامن هو وعاء الأسواق الثقافية:
عرفت الجزيرة العربية منذ الجاهلية أسواقا ثقافية ما أظنها كانت تحدث في غير جزيرة العرب في ذلك الزمن البعيد، من تلك كانت سوق عكاظ والمربد وعشرات الأسواق غيرهما، وليس حديثنا هنا عنها ولكنه عن الحاضر من هذه الأسواق الذي يعيش الدور الذي كان لسابقيه في الجزيرة العربية، وفي المملكة خاصة، ومن أهمها الجنادرية في الرياض وعكاظ الجديدة في الطايف وفي مكانها العتيد.
الجنادرية محرك ثقافي قوي:
بدأ سوق الجنادرية الثقافي منذ ثلاثين عاما، ويعقد في كل عام مرة ويدعى له في كل دورة تقوم، عدد كبير من العلماء والأدباء والمفكرين من أنحاء العالم، وتستمر أيامه نصف شهر، ويشارك في هذه التظاهرة الثقافية سكان المملكة من جميع مناطقها وأريافها، وتكون فعاليات هذا الموسم السنوي نموذجا حيا لتحريك الأدب بكل فنونه وأغراضه من مكتوب ومسموع ومنطوق، ويتبارى فيه كبار الشعراء من جميع أنحاء العالم مع ما يصاحبه، باستمرار من معارض للكتاب ولكل أنواع النشاط الأدبي والفكري وتعد الجنادرية أكبر محفز للأدب ومحرك لمسيرته، ومثير للتسابق بين الأدباء على كل المستويات في هذا الوقت، مما يميز هذا السوق الثقافي ويزيد قيمته الثقافية في الحاضر، هو أنه يعيد للأدب حيويته في المشافهة والإنشاد وارتجال الشعر والخطابة بشكل عفوي وتلقائية رائعة تحاكي ما كان يذكره التاريخ من طرائق العرب في ممارسة الأدب على وحي السليقة والطبيعة الجاذبة والمحركة للوجدان الدافعة إلى الإبداع الفني بعيدا عن التكلف الممل، كما أنه بطبيعته وتكوينه مفتوح لكل الناس، ويشارك فيه كل من يحضر حتى وإن لم يكن مهتما بالأدب، إن احتفالية الجنادرية السنوية تعد إحدى مظاهر الأدب ومحركه الأساسي والفاعل فيه، وهي تقدم نشاطا قويا تضيفه هذه الفعاليات إلى مسير الحركة الأدبية الحية..
عكاظ:
لم يستطع مرور ألف وخمس مئة عام من الماضي مسح تاريخ سوق عكاظ الثقافي من الذاكرة العربية، ومن ذاكرة أهل الجزيرة خاصة، فعادت إلى مكانها، واستجد عملها الثقافي حيث بدأ سوق عكاظ نشاطه منذ سنوات، وكانت بدايته قائمة على مشاركة كبيرة من جميع أدباء المملكة ومن خارجها، وقد كان لعودة سوق عكاظ قيمة ثقافية خاصة، جعلت إعادته تجيء مواكبة للنهضة العلمية والثقافية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وقد كان منهج هذا السوق هو إحياء للأدب العربي الرفيع والاعتماد على الموروث الأصيل للثقافة العربية، وكغيره من أوعية الثقافة أضاف سوق عكاظ الجديد محركا فاعلا من محركات الأدب العربي المعاصر.
معارض الكتاب:
من مصادر الحركة الأدبية في المملكة، معارض الكتاب واجتماع دور النشر في مكان واحد وعرض بضاعة الكتاب على الناس، وقد نشطت حركة معارض الكتب نشاطا كبيرا في الوقت الراهن بعضها يقام في الجامعات والكليات، وبعضها يقام في المعارض العامة، ومعه تقوم فعاليات ثقافية وعلمية، يشارك فيها نخبة من المفكرين والعلماء والأدباء، في كل مجالات الثقافة والمعرفة، ومن يرصد حركة البيع في هذه المعار ض يجد إقبالا كبيرا عليها من عامة القراء، ورواجا لما تعرض من أنواع الكتب بكل موضوعاتها، وقد أقيم آخرها في مارس الماضي في مدينة الرياض، ولمدة عشرة أيام وبلغت مبيعاته أكثر من خمسة وعشرين مليون ريال، مما يشير إلى الإقبال على الكتاب من كل فئات المجتمع وذلك محرك قوي لرواج الكتاب والرغبة في اقتنائه، والحصول عليه، وقد توجه الجيل الجديد للقراءة والاستفادة من التشجيع الكبير الذي يجدونه من مؤسسات الدولة والمجتمع.
المؤتمرات والندوات الثقافية والعلمية:
من محركات الأدب في المملكة ومن الوسائل العامة للتثقيف، المؤتمرات والندوات التي يجتمع فيها أعلام الأدباء وكبار المثقفين، ويناقش المجتمعون فيها قضايا الأدب، والعلم، ويدلي كل بدلوه في مجال اختصاصه، وتكون هذه المؤتمرات مفتوحة الأبواب ومشرعة الجوانب للمناقشين والمحاضرين، كما يتم فيها عرض الآراء التي تثري الساحة الأدبية. وقد أصبحت الجامعات السعودية والمؤسسات العلمية تقيم كثيرا من هذه النشاطات، ويستفيد عدد كبير ممن يزور ما يقام من هذه المؤتمرات والندوات، ولا يمر شهر أو بعض الشهر إلا وتقام عدد من الاحتفالات العلمية في أرجاء الوطن الواسع. وهذه المؤتمرات والندوات تشعل الاهتمام بالأدب وتزيد من متابعيه وتفتح آفاقا للتزود من منهل العلم الرصين.
الخلاصة:
كل ما تقدم يعبر عن مدى ما تمر به المملكة العربية السعودية من تقدم ملموس في نهضة علمية وأدبية وحراك ثقافي كبير على كل المستويات وقد كان لهذا النشاط الفكري في كل الحقول أثره الذي انعكس على اهتمام الناس في الثقافة بكل أغراضها وفنونها العلمية والأدبية كما نشط التأليف للكتب والمصادر العلمية في كل المجالات ولاسيما في غضون العقدين الماضيين حيث صدرت أعداد كبيرة من المؤلفات والموسوعات الضخمة ونشرت جل مصادر التراث العربي واهتم المحققون بنشر أمهات الكتب في القديم وفي الحديث.
هذه لمحة مختصرة عن الحراك الأدبي في المملكة العربية السعودية.