تطورت الأحداث السورية بشكل مثير خلال الأيام الماضية، فقد تزامن دخول عناصر معارضة إلى دمشق، وتمكنها من الهجوم على مقر التلفزيون الرسمي، مع خطف وانشقاق ضباط كبار، ثم حادثة إسقاط الطائرة التركية، ثم دخول السيد برهان غليون إلى عمق الأراضي السورية، مع ما يحمله هذا الاختراق من دلالة رمزية على فقد النظام لكثير من هيبته، وهو ما عبرت عنه الإدارة الأمريكية عندما قالت: إن الأسد لم يعد يملك السيطرة على جزء كبير من أرض وطنه، ولعل من شاهد تعابير وجه بشار الأسد في ظهوره التلفزيوني الأخير يقرأ من خلاله حالة الارتباك التي يمر بها هذا النظام البائس، والذي جثم على صدور السوريين طويلا، ولكن يظل السؤال الجوهري: إلى أين سينتهي هذا كله؟.
كان واضحا منذ بداية الأزمة السورية أن خيوط اللعبة الدولية تتمحور حول الجار الذي زعم النظام طويلا أنه يقاومه، وتحديدا إسرائيل، وعلى هذا فإن كل ما جرى بدءا من إرسال المراقبين العرب، ومرورا بالفيتو المزدوج الشهير، وانتهاءً بالمراقبين الدوليين كان استراتيجية متفق عليها بين كل الأطراف هدفها إطالة أمد الأزمة بغية إعطاء النظام كل الفرص المتاحة للقضاء على الثورة، لأن هناك إيماناً حقيقياً لدى صناع القرار في إسرائيل بأنه لا يمكن تعويض نظام حافظ على الهدوء التام مع إسرائيل بيسر وسهولة، وقد كتبت قبلا عن تقرير إسرائيلي نشرته صحيفة معاريف، أشادت فيه رموز عسكرية وأكاديمية وسياسية إسرائيلية بالنظام السوري، وختم ذلك التقرير بعبارة غريبة «الأسد ملك إسرائيل!».
الآن يبدو واضحا أن كل الأطراف المتصارعة حول الملف السوري وصلت إلى قناعة تامة بأن النظام فشل في القضاء على الثورة، وهي ربما الثورة الوحيدة التي لم يخطط لها أو يتوقعها أحد في ظل قمعية النظام وشراسته، وبالتالي لم يؤخذ لها حسابا، وهو ما ساهم في إطالة أمدها، ولأجل هذا فإن ما يدور خلف الأبواب المغلقة حاليا يتعلق بكيفية إعادة ترتيب البيت السوري ما بعد الأسد بما يضمن مصالح الجار الإسرائيلي، وهذا ربما يساهم في تأخير حسم الملف لعدة أشهر قادمة، وربما أكثر ما لم يحصل مفاجآت من عيار ثقيل تستوجب تدخلا دوليا قسريا على غرار ما حصل في البوسنة.
وختاما، نستطيع أن نقرأ من خلال ظهور الأسد على التلفزيون الإيراني رسالة واضحة مفادها أن الجميع قد قفز من مركبه الذي يوشك على الغرق، عدا نظام الملالي في طهران، وهذا متوقع، فالنظام الذي عمل عقوداً، وخسر المليارات على بناء أحلافه الإقليمية منطلقا من دمشق، لن يتخلى عنه مهما كلف الأمر، وهذا مقلق، ولكنه قد لا يغير من الواقع المحتم شيئا.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2