رغم كل التحديات التي تواجهها المملكة، والمنعطفات الحرجة التي تمر بها المنطقة، إلا أن الإجراءات الدقيقة المتبعة، والقائمة على أسس التداول الأخوي للسلطة، والمتفقة مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، تؤكد على تعزيز إرادتها الصلبة في مواكبة التغيرات، واستشراف المستقبل في ترسيخ أسس الدولة الحديثة، وتحقيق التنمية الشاملة في أنحاء البلاد.
ما يميّز الدولة السعودية، أنها قامت على أسس شرعية، مصدرها القرآن، والسنة. وعليه، فقد حددت إليه انتقال السلطة في المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم، والتي تنص على أن: «نظام في الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي، ويكون الحكم في أبناء -الملك المؤسس- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله -تعالي-، وسنة رسوله -صلي الله عليه وسلم-، ويختار الملك ولي العهد، ويعينه بأمر ملكي، ويكون ولي العهد متفرغاً لولاية العهد، وما يكلفه الملك من أعمال، ويتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته، حتي تتم البيعة».
من يقرأ نظام الحكم في المملكة، سيقرأ قصة مثيرة في وضوح الأنظمة التي تحدد المهام؛ من أجل استقرار البلاد، وثبات سياستها، والمضي قدماً نحو المستقبل بخطى راسخة الثبات؛ لتثبت المملكة أنها دولة ذات مؤسسات، وأن سياسة حكيمة تنتهجها في الداخل، والخارج، هدفها تحقيق الأمن الشامل، والسلم الاجتماعي.
لم يكن قرار تعيين -الأمير- سلمان، سوى ترجمة للمادة الخامسة في الباب الثاني من نظام الحكم، وفيه: «3 - تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة»، والذي جاء مكملاً لنظام الحكم، وذلك بنصّ المادة التاسعة، حيث: «يتم اختيار ولي العهد وفقاً لحكم المادة السابعة، في مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً من تاريخ مبايعة الملك». الأمر الذي شكّل انطباعاً هادئاً عن الانتقال السلس للمسؤولية، وتسيير العمل في البلاد، وقطعاً لدابر الإشاعات، والتكهنات، والتأويلات. وهو ما أكده كريستوفر بوسيك أحد مؤسسي مؤسسة «كارنيغي»، حين قال: «إنه نادراً ما شهدت السعودية حالة عدم استقرار، فالأسرة الحاكمة -دائماً- تجتمع، وتوحد صفوفها بسرعة؛ لتقرر ما يجب فعله بسرعة عند وفاة أيّ ملك»، وأضاف: «لن يكون هناك أي فراغ في السلطة». -ومثله- يقول الخبير في الشؤون السعودية، وواضع كتاب «جيو سياسية السعودية» أوليفييه دالاج: «على عكس كل المخاوف، فإن الخلافة لطالما حصلت بسلاسة في السعودية».
إسناد ولاية العهد -للأمير- سلمان، لم يكن مفاجئاً للمراقبين، والمهتمين في الشأن السعودي، بل هو احتفاء بركن من أركان الدولة. فالاختيار قد صادف أهله، لاسيما وأنه يتمتع بشخصية قيادية، استلهمها من شخصية القائد المؤسس -جلالة الملك- عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيّب الله ثراه-، فأثمرت نتاجاً لخبرته المتراكمة. وهو ما قاله -المؤلف- زين ألعابدين الركابي في كتابه: «سلمان بن عبدالعزيز.. الجانب الآخر»، وفيه: «من النادر جداً، أن تجد رجلاً تجمعت فيه المزايا التي تجمعت في -الملك- عبدالعزيز.. ولكنه طبيعي، وفطري، وجيني، وبديهي، أن يحمل كل واحد من أبناء -الملك- عبدالعزيز شيئاً من صفات والده».
سيحمل سلمان بن عبدالعزيز راية ولاية العهد؛ لقناعة -خادم الحرمين الشريفين- الثابتة، وإيمانه الراسخ بقدرات -أخيه- سلمان. فهنيئاً له بهذه المسيرة الحافلة بالإنجازات غير المسبوقة، بما في ذلك إضافة وزارة الدفاع، وهو -بلا شك- تكليف في طيّه تشريف، وما ذاك إلا لأن التكليف سيزيد الحمل حملاً، والتشريف سيؤكد الصفات النبيلة التي يتمتع بها سموه الكريم، وفي مقدمتها: قوة الإيمان، وقوة الإحساس بالمسؤولية الوطنية.
ستظل الشريعة الإسلامية حجر الأساس الثابت لدعائم دولة سعودية حديثة، وهو الأمر الذي يجب إلا يغيب عن البال، ولأن المسؤولية عظيمة، رغم أن أشغال منصب ولاية العهد، لم يواجه أي إشكاليات، أو اختلافات؛ لكن المؤكد، أنه لن يستطيع تحمّل أعباءها إلا قائد بمواصفات سلمان بن عبدالعزيز. والله أسأل: أن يمد سموه بالعون، والسداد، والتوفيق، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين -الملك- عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وأن يديم على أهل هذه البلاد كل أسباب الأمن، والأمان، والسلام، إنه سميع مجيب.
drsasq@gmail.com