كانت تتغنى بروعته وتتباهى به أمام الغير مع كل مناسبة، هو رجل ليس كبقية الرجال، لا يوجد له شبيه في عالمه، كمَله المولى بأخلاق منقطعة النظير وسعة في الثقافة لا حدود لها، رمز للرجولة الشهمة والوفاء الأصيل ومصدر للعطاء الخالص والإحساس المرهف، هو زوجها الذي بايعته يوما أن يقيها غدر الزمان وهجير الاحساس بالظلم...

... تغير فجأة ذلك الرجل دون أدنى مقدمات، حمل معه في طريقه للعمل كل المعاني الانسانية الراقية وعاد مساء لمنزله رجلا آخر، مثقلا بالأعذار التي تبيح له الخروج المستمر خارج البيت، مشتت في نظراته تتراقص أمامه الصور، ومكفهر القسمات لا تنشق له ابتسامة، أقلقها غيابه المتكرر، أرقها انسحابه عن حياتها وحياة أبنائه، فقد تحجر فجأة ذلك الرجل، كثرت أعذاره الى الحد الذي أثار شكوكها، ونظراته ما عادت تستقر أبدا على وجهها، فتقاسيمه تعلن انشطار مشاعر الحب بينهما بلا عودة، غاب مرات عديدة خارج بيته وهي تتآكلها الأفكار حول ماهية العمل الذي أضناه، كل مرة يخرج لها بعذر جديد، كان يأتي مع خيوط الفجر يتسلل كاللص الى فراشهم.. ويرقد بجانبها دون أن تهتز جفناه.. أصبحت بالنسبة له كمحطة يقف عندها عند الضرورة ويهجرها معظم الوقت.. لا تراه الا نادرا فعمله يأخذ يومه كما يقول.. وحين يعود للبيت يأخذ الملحق وسجائره ما تبقى من يومه الى أن ينجلي الصباح. تأجج بركان صامت في أعماقها وهي تتابع زوجها منزويا في الملحق ساعات طويلة.. فماذا تراه يفعل ؟ هل يعقل أن يأخذ العمل رجلا من أسرته كل هذا الوقت؟!

قررت أن تقتحم خصوصيته، باغتته فجأة وهو جالس في ساعة متأخرة من الليل، وجدته ممسكا بجهاز الحاسوب ووجهه يعلوه الابتسام، ما أن رآها أمامه حتى انقض كالوحش على غطاء الحاسوب في محاولة لإغلاقه، لكنها كانت أسرع منه وأمسكت بالشاشة التي كانت تجسد نهاية علاقتهم، أطرافها ارتعشت..قلبها خفق بقوة... ولم تعد تتمالك نفسها..غشي الدمع عينيها..تلعثم لسانها ... ما أكذبك يا صديقي..فكل أعذارك السابقة كانت خداعا..كل (حلفانك) بالانشغال بالعمل كان زيفا وتضليلا، فالخيانة لا اسم لها الا الخيانة، نظر لها باحتقار وغضب مرددا ليس من حقك أن تداهمي الغرفة هكذا دون استئذان ثم أنها مجرد علاقات اليكترونية عابرة والرجال كلهم يعبثون مثلي، طال الصمت بينهما ساعات طويلة جدا دون أدنى تفكير منه بالاعتذار، دفع بصمته مشاعرها للتفكير والتأمل.. تراءت لها حياتها التي أصبحت باردة جدا يكسوها الجليد... مشاعرها التي غدت منكسرة ومجروحة على الدوام..وزوجها الذي أصبح أبعد الناس عنها وأكثرهم أنانية..وتساءلت بينها وبين نفسها..هل كان حقا على خلق ؟!.. وهل كانت ردود أفعاله اللامبالية على خيانته وغدره لها نتاج لثقتها وصمتها ؟!..... أيقنت أن ذاك الحب بينهما قد خبا.. وأنها ما عادت تريده...أخبرته بما تشعر به، عبرت بقوة عن رفضها أن تكون مجرد جسد يكتسح مساحة ذلك المنزل، ألقت بخبر رغبتها للانفصال على مسامعه... مسكينة كم هي مخدوعة بمشاعرها، فقد ظنت أن يستيقظ شريك حياتها من سباته العميق منتفضا يدافع عن حبه لها، وتراءى لها أن في طلبها الطلاق ما قد يزلزل صمته ، لكنه مع الأسف وجد بأنه قد يكون القرار الأصوب لكليهما، خرجت من صومعته وهي تبتسم بينها وبين نفسها اكتشافها كم كانت غبية.... حزمت حقائبها بصمت وغادرت بيتها تاركة وراءها بقايا وحدتها ورجل مسلوب التفكير باع أسرته وشتت شملهم مقابل علاقات زهيدة طائشة عبر الانترنت... وأدركت مع الأيام أن صمتها عن تنصله للقيام بمسؤلياته كرب أسرة مفسحة له المجال للانشغال بأوعية الانترنت كان ثمنه نهاية تلك الأسرة..