لحظة تلقّي الخبر هي ساعة ذهول يطلق عليها الدفاع المدني دقائق الصدمة، والأطباء ساعة الصدمة يشل فيها التفكير لدقائق وساعات حتى يبدأ الإنسان يستوعب الحدث ويعود إلى توازنه تدريجياً...
خبر وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز - يرحمه الله رحمة واسعة ويسكنه فسيح جناته - كانت صدمة قوية وبخاصة لأشخاص كانوا خارج الوطن، كما هو في مثل هذا الوقت من كل عام موسم الصيف والإجازات، هذه إرادة الله وقضاؤه ولا راد لأمر الله لكن محبتنا لهذا القائد والوزير المحارب، جعلتنا نشعر بالخوف على الوطن رحيل من حارب الإرهاب بكل قوة وصلابة رغم شراسة الخصوم واستهدافهم لأسهل الأهداف هما: المواطن والمنشآت الاقتصادية الكبيرة والحيوية بهدف التخريب. ودائماً يكون المواطن صيداً سهلاً للمخربين لكن الأمير نايف وقف بحزم وعناد حتى كسر الإرهاب والمخربين والأدعياء, جاء الخبر بالصدمة ونحن خارج الحدود ليدخلنا في عاصفة من الحزن والخوف ورعشة القلب واليد على الوطن... لا أدري لماذا تملكني هذا الشعور الخليط ما بين الحزن والخوف.
لماذا استعدت ذاكرة الفيصل - يرحمه الله - الملك فيصل عندما انطلقنا إلى الإذاعات بحثاً عن مصداقية الخبر حينها في ذلك الزمن المبكر لم تكن لدينا وسائل اتصال كما هو الآن لا محطات ولا جوالات ولا إنترنت ولا هواتف أرضية بهذه السرعة ولا صحف سريعة الطبع، كنا في مركزية التلفزيون المحلي, وذبذبات الراديو المتقطعة.... كنا على مقاعد الدراسة الأولية، ورغم ذلك كنا في قلب الحدث لأن المصاب جلل كما هو أبناؤنا في هذا الزمن شركاء لنا في الأحداث المحلية والعالمية عبر الأجهزة الذكية وعنكبوتية الاتصال, بل أصبحوا على خط ساخن مع الحدث...
لا أدري لماذا ربطت رحيل النايف برحيل الفيصل وزاد خوفي كوني خارج حدود بلدي الذي شعرت تجاهه بالحب والخوف الغامرين... نايف - يرحمه الله - كسر القاعدة ومفاصل إرهابها رحل بعد أن كمل مهمته وأنجز ما كان مطلوباً منه وما كان مسؤولاً عنه, وبلادي اليوم تحوطها العداوات من كل الجهات.. اليمن نهاية حدّنا الجنوبي ربيعها العربي مازال خريفاً عاصفاً يذبحه الجوع والفقر وعدم الاستقرار... والعراق ما وراء حدّنا الشمالي في ركنه الشمالي الشرقي بدأ قبل الربيع العربي لكنه لم يحصد الربيع ولا الديمقراطية، بل عشر سنوات من الحروب وهاجس التقسيم والطائفية, رغم رحيل المحتل وغياب صدام... سوريا ما وراء وراء حدودنا في الركن الشمالي الغربي، حيث الشام والمخاطر وحزب البعث والطائفية والرئيس الذي يقتل شعبه ويحصد أهل السنّة بصورة بشعة, ومخاوف تأتينا من بلاد الهلال الخصيب هلال الطائفية البغيضة. وأخرى من لبنان العمق الاستراتيجي للاضطرابات والقلاقل السياسية, ومصر فيما وراء بحارنا الغربية مازالت لم تتصالح بعد مع رئيسها رغم انتخابه, والشريط الغربي باتجاه الجنوب نحو دول عدم الاستقرار: السودان وإثيوبيا والصومال وجيبوتي دول شرق إفريقيا (القلقة). أما مياه الخليج التي وصفت بالدافئة وشواطئ اللؤلؤ والمرجان والشعاب الفيروزية فهي الاحتقان الكامن والمتربّص بلاد فارس وساسان، حيث في ثنايا الخليج في منكسر المضيق الهرمزي وعلى طول الشريط الساحلي الغربي للخليج تكمن إيران وتهديدها للخليج العربي: حدود بلادنا والبحرين والإمارات. في ظل هذه الاضطرابات رحل نايف صاحب ولاية العهد ووزير الداخلية الذي حافظ على الملف الأمني والأمن الداخلي منذ أيام الفيصل مروراً بأحداث الحرم المؤسفة والحرب العراقية الإيرانية وحرب غزو الكويت وحرب احتلال أفغانستان وحرب احتلال العراق وأخيراً ضبابية دول الربيع العربي وعدم استقرارها ... يُتبع