ليس للتدين الشخصي الظاهر اعتبار في الولايات العامة لا عند المسلمين ولا عند غيرهم، بل الغالب هو العكس، فأبو بكر وعمر وليا أعظم أمصار الإسلام - الشام ومصر- لمعاوية وعمرو رضي الله عنهما متجاوزين أهل بدر وأهل العقبة والبيعة وهم خير وأتقى وأعبد لله منهما. وعثمان رضي الله عنه ولى عبد الله بن أبي السرح على جمع عظيم هم خير منه. وقد قال عليه السلام - كما جاء في مسلم- لأبي ذر، عندما طلبه الولاية، يا معاذ إنك رجل ضعيف. ولم يعتبر عليه السلام التدين في الولايات. وقد رجح علي -رضي الله عنه- (بناء على طلب القُراء) جانب التقوى والصلاح على جانب الدهاء والعزم والقوة في اختياره لوزيره وممثله في عملية التحكيم فلم تُحمد العواقب- إن صحت الرواية المشهورة في كتب الآثار. وإذا صح حديث «أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل» لكان شاهداً آخر على بطلان أهمية العلم الشرعي في الولايات، وإلا لكان معاذ أولى من أبي بكر وعمر في الخلافة، رضي الله عنهم أجمعين. (وفي حديث معاذ شاهد آخر على بطلان ما صارت إليه الأمة من قديم على حجر الفتوى على من يُسمون - حقيقة أو دعاية - بأهل العلم، فلم يُنقل أن معاذاً - رضي الله عنه - جلس للفتوى أو أن الصحابة استفتوه في أمورهم، بل الأصل أن المسلم يعلم شئون دينه وليس بحاجة إلى مفتي إلا أن يكون حديث عهد بإسلام كأهل اليمن).
تناقلت وسائل الإعلام أفعال الرئيس المصري، محمد مرسي، في أيامه الأولى قبل دخوله قصر الرئاسة، وقد تركزت في تصوير تواضعه وتدينه. وقبل البوح بتأملاتي حول هذين الأمرين فإني أؤكد بأني لا أشك - والله أعلم ولا أزكي على الله أحداً- بنزاهة وتدين وصدق وإخلاص الرئيس الجديد. وقد راهنت سابقاً على نجاح الإخوان في الانتخابات وفي نجاحهم في إدارة دفة الحكم في مصر إذا ما تولوه، وذلك في مقال قديم لي هنا في الجزيرة بعنوان «الإخوان بين الحقيقة والدعاية». (والأمور يظهر بأنها مسخرة في صالح الإخوان، فحل البرلمان قبل الانتخابات كان -في رأيي- له دور في تعاطف الناس مع مرسي في الانتخابات ومن أهم أسباب منع التلاعب بالنتائج. فالناس في مصر لم يكونوا لِيحتملوا ضربة حل البرلمان ثم خسارة مرشح الإخوان).
مظاهر تدين الرئيس وإن كان فيها إظهار للدين والاعتزاز به إلا أنه يجب أن يُنظر فيها من جانبين. الجانب الأول أن إظهار التدين ليس له علاقة شرعية أو واقعية في حسن الإدارة والحكمة والذكاء. والجانب الثاني أن استخدام مظاهر التدين في اللعبة السياسية هو مقامرة خطيرة يجب أن لا يُحشر الإسلام فيها. فلو فشل الرئيس - لا سمح الله - ولو لأمور خارجة عنه فسُيحمل الدين وزر الفشل.
وأما تواضع الرئيس فهو شاهد على أمرين رئيسيين الأول: رجاحة عقله وأنه أكبر من المنصب الذي وضع فيه فلم تعظم عنده نفسه،. الثاني: أثر الانتخابات في حرص المسئول على مشاعر الناس. فأين سيادة الرئيس عن مسئولين صغار لا يخرج من مكتبه إلا وأحدهم يحمل «بشته» والآخر يحمل «حقيبته»، والمسكوت عنه أن تواضع الرئيس والحرص على إظهاره قد اكتسبه من ثقافته الأمريكية لا من ثقافته الفرعونية، فبارك الله لمصر وللعرب وللمسلمين رئيس مصر المنتخب.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem