لمحافظة الزلفي وأهلها محبة خاصة في فؤادي، فلا أنسى أياماً جميلة عشتها في هذه المدينة قبل أكثر من أربعين عاماً، وعلى ما يزيد من الشهرين تقلبت على رمالها الناعمة في المساء بحثاً عن البرودة في عز أشهر الصيف، ولا أنسى عنبها ورمانها وبطيخها وسائر مزروعاتها، وفوق هذا كله تعرفت إلى مجموعة من رجال هذه البلدة الطيبة من علماء ومشايخ أفاضل، ورجال أعمال، وموظفي دولة، وجلهم يتنافسون في الخلق الفاضل والجود والكرم.
من هؤلاء الأفاضل أحد المشايخ المكثرين في التأليف حيث صدر له ثمانية وتسعون كتاباً مع كتاب آخر في الطريق، وربما يكمل المائة مؤلف قريباً، هذا الرجل الشيخ الفاضل والأديب يستحق أن أطلق عليه لقب « سيوطي الزلفي « فلا أعلم أحداً من أبناء الزلفي وصل إلى ماوصل إليه من نتاج علمي غزير في التأليف.
هذه الشخصية المعنية في هذا المقال هو الشيخ الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد الأستاذ بجامعة القصيم الذي اتسعت مؤلفاته وبحوثه، ومنها ماترجم إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والأوردية، هذه الكتب بدأها برسائل في العقيدة والتوحيد، وزاد مصنفاته في هذا الموضوع عن خمسة وعشرين مؤلفاً، ومؤلفات أخرى في المواعظ والرقائق، ولم ينس الباحث المرأة التي نالت نصيبها وحقها من اهتمامه، فألف كتباً تخصها وأبرزها : من صور تكريم المرأة في الإسلام، وكتاب عن حقوق الزوجات، وآخر من حقوق الأزواج، وفي الأخلاق والآداب كان له نصيب وافر من التأليف ونحى في كتابة السير والتراحم، وانتقى من بطون الكتب، وقدم للقارئ خلاصة أطيبها نتاجاً كما كان للأدب والشعر حضوره، وحقق بعض كتب التراث الأدبي، وعرج على موضوع الفتن والنوازل، وقدم للمكتبة مايخصها في هذا الجانب، ولم ينس الشيخ الحمد السيرة العطرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فألف كتاباً قدم فيه خلاصة لسيرته - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -، وآخر عن الرحمة والعظمة في السيرة النبوية.
وحظيت هذه الكتب بالقبول لدى المتلقي كما حظي البعض منها بتقديم لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله -وثنائه على المؤلف وعلى مضمون الكتاب، وهذه شهادة له، ولو سردت أسماء هذه الكتب لأخذ ذلك حيزاً مضاعفاً في حجم المقالة المتاح، فكيف بالإشارة إلى ماهيتها وما فيها من خصائص وفرائد وفوائد تكشف عن باحث كشكول يحسن اختيار الألفاظ والجمل والترتيب وعرض الأفكار.
وفي الوقت الذي أشيد فيه بما يطرحه أخي الفاضل الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد وما يمتاز به من قوة ورصانة فإنني آمل منه مواصلة الجهد وهذا النهج وهذا الحضور الفاعل وهذا النتاج الطيب المبارك، وأعلم أنه حينما يكتب فإنه يعتبر صاحب رسالة، ويحمل هماً، وهو أيضاً ذو أمانة علمية يعزو المعلومة لمصدرها ولايدعيها ؛ ولذلك فهو يعتني بالتوثيق والإشارة لا كغيره من بعض المؤلفين المتحدثين.
فهو لا يغمط حق الآخرين، ويسلب حقهم الفكري والأدبي رغم غزارة الإنتاج ووفرته إلا أنك تجد القوة ماثلة في جميع الإصدارات وعناية باللغة والأسلوب فلا ركاكة ولا ضعف.
أسال الله سبحانه وتعالى أن يمده بعونه وتوفيقه، وأن يواصل إتحافنا وقراء العربية بمثل هذه الإصدارات العلمية الهادفة.
خاتمة:
تفاءلت بقيام الجمعيات السعودية المتخصصة، وكنت أعتقد أن من بين أهدافها الرئيسة دعم ونشر الكتب المتخصصة لأعضائها أو لمن يحملون انتساباً للعلم الذي تسهم الجمعية في خدمته، ومع الأسف كان الواقع غير المأمول، وحبذا لو أن الجمعيات سعت إلى دعم النشر العلمي حتى نرى كتابنا السعودي محلقاً في أفق العلم والمعرفة في الخارج، لاسيما أن إشراف الجمعيات على إصدار هذه الكتب سيعطي لها من القوة العلمية لا المهنية الشيء الكثير.. والله من وراء القصد.
alomari1420@yahoo.com