إن حياة الناس لا تستقيم إلا إذا ساد بينهم الأدب والاحترام، والرحمة والإحسان، ووقَّر صغيرُهم كبيرَهم، ورحم كبيرُهم صغيرَهم، وعطف الغني على الفقير، وأحسن القوي إلى الضعيف، كما أنه لا تنجح لهم أعمال ولا يتم لهم نهوض ولا تقدم إلا بتقدير بعضهم لبعض تقديراً خالياً من الرياء والغرور والخداع.
ولكن أكثر الناس اختلت لديهم الموازين في هذه القيم المثلى، وأصبح الميزان عندهم الغنى والجاه والسلطة، وصاحب المال والأملاك، وصاحب القوة والنفوذ، ومن ليس كذلك فلا يلقى هذه الحفاوة، ولا يجد ذاك الاحترام، ولذلك جاء التوجيه النبوي الكريم لمثل حال من يغفل الناس عنه، إما لضعف حاله أو رثة ثيابه أو عدم قدرته للوصول إلى حاجته، فقد أخرج مسلم في الصحيح (2622) (2854) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رب أشعثَ مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)).
أي أن الأبواب تسد في وجهه ويُمنع من الدخول كلما أراد شيئا، ولا يُسمع قوله ولا تُقضى حاجته، لكونه لا يُعرف ولكونه رثَّ الهيئة لأن العيون تزدريه وتحتقره، ومثل هذا الضعيف يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ((لو أقسم على الله لأبره)) أي لو وقع منه قَسَمٌ على الله في شيء لأجابه الله تعالى فيما سأله، إكراماً له ولطفاً به.
وخير ميزان يُعرف به الناس هو الميزان الذي أمر الله به، وهو ميزان القسطاص المستقيم والعدل القويم، فالله يَزن عباده بأعمالهم وأخلاقهم وآدابهم، يزنهم بإيمانهم ويقينهم وتقواهم لربهم، فالناس عند الله لا يتفاضلون إلا بهذا، فالتقى عند الله هو المقبول ولو كان رث الثياب، والشقي مطرود ولو كان صاحب الرتب والألقاب، فلا يُحكم على الناس بأشكالهم ومظاهرهم، فالمظاهر دائماً خداعة، وفي صحيح مسلم (2564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم، وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)).
وربما اشتد الأمر وزاد نحو هذا الضعيف المدفوع بالأبواب ووصل إلى حد السخرية والاستهزاء به، وهذا بلا شك محرم لأن الله تعالى نهى عنه، فإن السخرية بالناس لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه وغروره بحاله، ولأن هذا الفعل لا يصدر في الغالب إلا مِن إنسان غلب عليه الكبر والجهل.
حفظنا الله من الضلال وسوء الأخلاق.
والله ولي التوفيق.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية