الرس - خاص بـالجزيرة
أهاب الدكتور إبراهيم بن عبد الله الدويش الداعية المعروف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة القصيم بالدعاة إلى الله الاستفادة من التقنيات الحديثة لخدمة الدعوة إلى الله ونشر دين الله في أصقاع المعمورة.. مع أهمية العمل المؤسسي عند القيام بواجب الدعوة إلى الله لأنّه موفر للجهد والوقت، ويوصل الدعوة إلى الملايين في شتّى بقاع الأرض.
جاء ذلك في معرض إجابة فضيلته على تساؤلات «الجزيرة» حول الدعوة إلى الله، والشُّبهات التي تحاول التشكيك في بعض الأحكام الشرعية، ودور منبر الجمعة في خدمة المجتمع المسلم، وشروط خطبة الجمعة وضوابطها، ومسئولية الخطيب والتربية الإسلامية ودورها في الحفاظ على النشء من الوقوع في الأفكار المنحرفة، والشُّبه والضلالات، وكيفية حماية الأبناء من التأثُّر السلبي للتقنيات الحديثة من قنوات فضائية وإنترنت وأجهزة جوال متطورة ونحوها.
* كيف يمكن أن يحسن الدعاة إلى الله تبليغ الدين الإسلامي في ظلِّ ما يسمى بـ(الإعلام الجديد) بالأساليب العصرية المرتبطة بتطور وسائل الاتصال المتنوعة وبالتالي استثمار تلك الأساليب والوسائل للوصول إلى أفضل النتائج في إيصال هداية البلاغ والبيان التي تحقق لدين الله العزة والانتشار؟
- هناك أكثر من وسيلة في تحقيق ما ذكرتم، كل يأخذ بما يناسبه من تلك الوسائل الكثيرة المتجددة المباحة، وأنجح تلك الوسائل برأيي - والعلم عند الله- أن يرتقي الدعاة من العمل الانفرادي - مع أهميته- إلى العمل المؤسسي الذي يحتمه العصر والواقع، الذي فيه عدد كبير من المزايا لا توجد في العمل الانفرادي. ومن أهمها: تحقيق المبدأ الذي أمر الله به نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران:159]، عَن الْحَسَن قَالَ: «قَدْ عَلِمَ أنه مَا بِهِ إليهمْ حَاجَة، وَلَكِنْ أراد أن يَسْتَنّ بِهِ مَنْ بَعْده»، وقد مدح الله الرعيل الأول بسببه فقال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وقَالَ الْحَسَن أيضًا: «مَا تَشَاوَرَ قَوْم قَطّ بَيْنهمْ إلا هَدَاهُمْ اللَّه لِأفضل مَا يَحْضُرهُمْ». وَفِي لَفْظ: «إِلَّا عَزَمَ اللَّه لَهُمْ بِالرُّشْدِ أو بِاَلَّذِي يَنْفَع». وقال الماوردي: «اعلم أن من الحزم لكل ذي لب، ألا يبرم أمرًا ولا يمضي عزمًا إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح».
شاور صديقك في الخفي المشكل
وأقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه في قوله: {شاورهم} و{توكل}
ومن مزايا العمل المؤسسي أنه يمكِّن الداعية من الاستفادة من أهل الخبرة والمعرفة في شتّى المجالات، كل في مجاله، وهذا يوفر للداعية الوقت والجهد الكثيرين، وفوق ذلك كلّه أنه يضمن له - بإذن الله تعالى- النتيجة الكبيرة في تبليغ الدين، ويمكِّنه من إيصال دعوته وصوته إلى الملايين في شتّى بقاع الأرض، وقديمًا قالوا في المثل: (اعط القوس باريها) وفي المثل الشعبي: (اعط الخباز خبزه ولو أكل نصفه)، وأحسن من هذا وذلك قوله جلّ شأنه في محكم التنزيل:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ أن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:43].
* يحاول دعاة الزيغ والضلال والشُّبهات نشر بعض المفاهيم الخاطئة، بل والتشكيك في بعض الأحكام الشرعية ولي بعض النصوص الشرعية لتتوافق مع أهوائهم، ومآربهم الباطلة ماذا يتوجب على الدعاة إلى الله تجاه ذلك، وكيف يمكن التصدي لأصحاب تلك الدعاوى، وتصحيح مفاهيم الناس ليتقوا شرورهم، ويحافظوا على نقاء عقيدتهم؟
- ديدن أهل الضلال والبدع والشهوات في كل عصر ومصر أنهم يأخذون بالنصوص ما دامت تتمشى مع أهوائهم، وإذا تعارضت مع أهوائهم يقدمون أهواءهم على النصوص دون أدنى تردد، ولهم في ذلك مسالك ملتوية، بدءًا من لي عنق النص وتأويلها بحجج واهية لو تأملها الإِنسان جيدًا يجدها أنها أضعف من بيت العنكبوت، ومرورًا بالطعن في صحة الأحاديث وإن كانت في الصحيحين، وانتهاء بأنها منسوخة دون ذكر للناسخ وتاريخه. الخلاصة أن التناقض واضح في تأويلاتهم واستدلالهم وأقاويلهم.
وهنا يأتي دور الداعية الفطن وطالب العلم النبيه، فيبيِّن أولاً: للناس العقيدة الصحيحة الصافية، ويحصنهم بالعلم النافع قبل الانشغال بالردود والهجوم، وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير، لكون الحقَّ أبلج، والباطل لجلج، وأن الحقَّ تدعو إليه الفطرة وتقبله العقول؛ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض} [الرعد: 17]. ولا بد من تحصين الجبهة الداخلية أولاً: بحيث يتعذر أو يصعب اختراق تحصيناتها الدفاعية، وبعد ذلك في الخطوة الثانية يبدأ بإدانة هؤلاء أهل البدع والضلالة بما خرج من فيهم، ويفضحهم بكلامهم وطرق استدلالهم، والتواء مناهجهم ويكشفهم للناس عوارهم وتناقضهم. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: «كل مبطل يحتج بآية، أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه». على الداعية وطالب العلم ألا ينشغل بالردود على الجزئيات الدقيقة، بل يأتي على أصول أهل البدع وقواعدهم فيهدمها من أساسها، ويبيِّن مصادمتها للنصوص وتناقض هذه القواعد، ويبيِّن للناس منهجهم في التعامل مع النصوص، منها أنهم يعارضون المحكمات بالمتشابهات مع أن الواجب هو العكس، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمنًا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أولو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]. ومنها: أنهم يتعاملون مع كل نص بمفرده ومبتور عن السياق الذي ورد فيه، ولا يجمعونه مع النصوص الأخرى حتَّى يفسر بعضها بعضًا، مع أن هذا هو الواجب في التعامل مع النصوص، وكل من ضلت من الفرق المبتدعة السبب الرئيس في زيغها: جعلها النصوص عضين، وعدم الجمع بين النصوص، وإسقاط بعضها ببعض لا جمعها، كالوعيدية الذين نظروا إلى نصوص الوعيد وأسقطوا بها نصوص الوعد، والمرجئة عملوا العكس، وهكذا.
وأما أهل السنّة فينظرون إلى النصوص جملةً، ويقولون بها جملةً، ويفسرون بعضها ببعض، وبهذا المنهج السليم يحلُّون كثيرًا من الإشكاليات المتوهَّمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وتفسير بعضها ببعض؛ من غير تبديل شيء منها».
عن قريش بن أنس قال: «سمعت عمرو بن عبيد يقول: يؤتى بي يوم القيامة، فأقام بين يدي الله فيقول لي: «لِمَ قلت أن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلته، ثمَّ تلا هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء:93]، قلت له - وما في البيت أصغر مني-: أرأيت إن قال لك: فإني قد قلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48] من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر؟! قال: فما استطاع أن يردَّ على شيء».
* خطبة الجمعة ومنبرها مسؤولية شرعية ونظامية يتوجب على الخطباء إعطاؤها حق رعايتها، وهي أمانة عظيمة أنعم الله عليهم بها وائتمنهم عليها ولاة الأمر.. ووظيفة الإمام والخطيب من الوظائف الشرعية التي ورثوها عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كيف نصل بهذه الوظائف الشرعية لتقوم برسالتها التي كانت في الصدر الأول للإسلام، منذ عهد المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وصحابته من بعده، والتابعين - رضوان الله عليهم جميعًا - تجاه توعية أفراد المجتمع - على اختلاف سني عمرهم، وثقافتهم، وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم وعلاج قضاياهم المختلفة، وبناء الإِنسان المسلم الذي يسهم في بناء مجتمعه وتطويره وتنميته.
- جواب سؤالك هذا بحاجة إلى رسالة علمية أو دورة علمية مكثفة على الأقل، ولدي مادة علمية جاهزة بهذا الخصوص تنتظر الفرصة المناسبة حتَّى تخرج إلى النور، وقد شرحت فيها الخطوات التي يجب أن يتبعها الخطيب حين إعداد خطبته، والارتقاء بها وتطويرها...
أقول - وباختصار-: إن للمنابر في الإسلام دورًا كبيرًا، والمنبر هو الوسيلة الأولى التي نشر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من خلاله الإسلام وتعاليمه السمحة حتَّى عمَّ أرجاء العالم كلّها، وعلى الخطباء أن يتذكروا أهمية المنبر وعظيم مكانته ووظيفته في الإسلام ويجعلوها نُصب أعينهم، وأن يكونوا على دراية بهدي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الباب، ويتدربوا على الطريقة الجيدة للإلقاء، ويقوموا بتحضير خطبهم قبل الجمعة بأيام، وذلك أن التحضير بحاجة إلى الوقت وإلى النضج، وهو يعني: «التفكير والاستنتاج والتذكر واختيار ما يعجبك وصقله وجمعه في وحدة فنية من صنعك الخاص». ومما جاء في هذا عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين- عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأقربينَ}[الشعراء: 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إليه، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إليه، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أن خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ: فَقَالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إلا لِهَذَا، ثمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ}.
ويشتمل هذا الحديث المبارك على اللبنات الأساسية التي يجب توافرها في كل خطبة حتَّى يكتب لها النجاح، ومنها:
1 - أن تكون الخطبة مرتبطة بحدث أو مناسبة، ويؤخذ هذا من قيام النَّبيّ بالخطبة بعد نزول الآية والأمر بالصدع بها.
2 - اختيار المكان والزمان المناسبين. وهذا مأخوذ من صعود النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الصفا لكونه أعلى مكان يمكن من خلاله إيصال صوته لجميع قريش.
3 - المقدمة المناسبة: أي مراعاة (براعة الاستهلال وحسن المدخل) بمعنى أن ينتقي العبارات المناسبة، والحمد والثناء الذي فيه عبارات قوية وبليغة، فهذا مهم جدًا كمدخل، كما فعل صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث هَتَفَ قائلاً: ((يَا صَبَاحَاهْ)) وهذه صيحة معروفة لدى العرب في القديم يصيحون بها حين يحسون بخطر داهم يوشك أن يحيط ويحدق.
4 - المقدمة المثيرة للانتباه، التي تشد ذهن الجمهور، ألا ترى أنهم صعدوا الجبل من أجل هذه المقدمة المثيرة، وأن من لم يتمكن من الحضور بعث من يأتي بالخبر؟!!
5 - البدء بالمشترك والمسلم له وأخذ الإقرار عليه للتأكيد ثمَّ عرض الأفكار التي يريد الخطيب أن يوصلها للجمهور، ألا ترى أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يبادرهم بعرض الدعوة دون أن يأخذ إقرارهم بصدقه وأمانته، فَقَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ أن أَخْبَرْتُكُمْ أن خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟)) قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا..
فهذا أخطر قضية، وهي تتعلق بأمنهم وسلامتهم، فإذا كانوا يصدقونه فيها فليصدقوا ما جاء به من الهدى من عند الله فقال: ((فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)).
6 - وضوح الحديث: وقد كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتكلم كلامًا فصلاً كما قالت عَائِشَة ((كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كَلَامًا فصلاً يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ)). رواه أبو داود وحسنه الألباني.
7 - التحكم في الصوت: من خلال البدء بالاستفهام أو سؤال، أو تعجب.. لتغيير نبرة الصوت.
8 - تفاعل الخطيب مع أفكاره، وتشبعه بها، وهذا واضح من خلال رفع الصوت، إذا لم يتفاعل الخطيب مع أفكاره ولم ينفعل بها فكيف ينفعل الجمهور، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خَطَبَ أحمرتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، وَيَقُولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)) وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فإن خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأمور مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، ثمَّ يَقُولُ: ((أَنَا أولى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِأهله، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أو ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ)).
9 - الاهتمام بالمظهر والهندام.
* يشهد وقتنا الراهن تطورًا نوعيًا غير مسبوق في وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات نتج عنه انفتاح كبير غير معهود أسهم هذا الانفتاح في انتشار كثير من المعلومات والأفكار، بل والشبهات التي أدت إلى اختلال في المنهـج والرؤية عند بعض الناس، وبرزت ظواهر فكرية غريبة على مجتمعنا الإسلامي جنح بعضها نحو الغلو والتشدد بصوره المتعددة وجنح بعضها الآخر إلى التفريط والتحلل بل والانسلاخ من ثوابت عقائد الإسلام وأحكامه وأخلاقه، ما الدور المناط بالدعاة إلى الله، والأئمة والخطباء، ورجالات العلم على اختلاف مواقعهم في التعاطي مع هذه المستجدات، وتنوير المجتمع بأخطارها، والتقليل من مخاطرها وبالتالي تلافيها؟
- لا بد أن يعيش الخطيب عصره، وهموم مجتمعه، ويكون مطلعًا على ما يدور فيه، وما يعانيه، لأنّه بمثابة الطبيب، ولا يمكن للطبيب أن يكتب وصفة ناجحة دون الكشف عن مرض وتحديده، وهكذا الخطيب لا يمكنه المساهمة في معالجة أدواء المجتمع إذا كان لا يعيش عصره، هذا من جانب، وأما كبح جماح الإفراط والتفريط اللذين بدآ بالظهور في زماننا أكثر من أي وقت فيكون من خلال نشر الإسلام الصحيح، الإسلام الوسط الذي جاء به محمد صلَّى الله عليه وسلَّم لهداية البشرية، قال تعالى: {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدًا } [البقرة: 143].
وهنا أرجع إلى ما قلت في إجابة السؤال الثاني من أنه لا بد من تحصين الجبهة الداخلية، لأنَّ هذين الفكرين ليسا من الإسلام في شيء، وغريبان عنه وعن منهجه، بل إنهما متسربان إما من المغضوب عليهم وهم اليهود الذين أفرطوا، وإما من الضالين المعروفين بالتفريط والتحلل، وأما الإسلام والدين بين هذا وذاك، ((والحسنة بين السيئتين))، وهم أهل الصراط المستقيم، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَم الله عَلَيْهِمْ، غَيْرِ صراط الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، كما جاء في فاتحة الكتاب. وكل مسلم ومسلمة يطلب من الله على أقل تقدير سبع عشرة مرة أن يهديه الصراط المستقيم الوسط، وأن يجنبه طريق الفريقين: المغضوب عليهم والضالين من أهل الإفراط والتفريط.
* نعلم فضيلة الشيخ أن لكم بعض المؤلّفات المتعلقة بالتربية.. في ضوء ذلك، وفي ضوء مستجدات عصرنا الحاضر من تقنيات متطورة ومتعددة في وسائل الاتصال والإعلام من إنترنت، وأجهزة جوال متطورة، وقنوات فضائية عمت الأجواء بل ودخلت البيوت دون سابق لإنذار ما نصيحتكم لأولياء الأمور من (آباء وأمهات) تجاه تحصين أبنائهم وبناتهم من مخاطر الاستخدام السلبي لهذه التقنيات، وما دور المؤسسات التربوية والعلمية والاجتماعية في هذا الشأن؟
- أقول: إن المستجدات في عالم التقنية فرضت علينا نفسها فرضًا، وليس الحل مقاطعتها أو إصدار الحكم بالتحريم عليها، وهنا أعود للمرة الثانية إلى ما قلت من ضرورة تحصين مجتمعاتنا من الداخل، إذا قمنا بتوعية الأبناء والبنات بما لهذه الأجهزة من فوائد، وكيفية توظيفها لصالحنا، وبيّنا لهم ما ينتج عنها من أضرار عند سوء استخدام هذه الأجهزة، ونجحنا في تربية الأبناء وتحصينهم من الداخل، حينها لا نخاف عليهم من سوء استخدام هذه الأجهزة، ولا يكون ذلك إلا أن نقترب من الأبناء والبنات، ونعيش عالمهم، ونتفهم ما يمرون به من مراحل أعمارهم، والتعامل معهم وفق هذه الأمور.