في كل أزمة شغور موقع قيادي يصنعها رحيل ركن من أركان الدولة تثبت مؤسسة الحكم السعودية قدرتها على تقديم أكثر من شخصية قيادية قادرة على التعويض بكفاءة لأنها تحمل مواصفات وخصائص مقاربة لصفات وخصائص السلف، وتتمتع بقدر كبير من الحكمة واستشعار المسؤولية والتفاني في خدمة هذا الكيان العظيم وهي الصفات والسلوكيات التي غرسها المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- منذ تأسيس الكيان، وأوصى أبناءه من بعده بالسير وفق هذا المنهج المستمد من الإسلام الذي تدين به الأمة، وإذا كانت الدولة في مراحل التأسيس الأولى تسير أمورها وفق رؤية الملك ومشورة أهل الرأي من الأمراء والعلماء وذوي الاختصاص مع تطبيق أحكام الدين وفق ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية فإن الدولة السعودية في مرحلتها الحالية ومنذ سنوات قد أتمت بناءها التنظيمي المتكامل الذي مكنها من السير في إطار منهج واضح جنبها الكثير من المعوقات والإشكالات، فقد عكف أبناء الملك عبدالعزيز ملوكا وأمراء قياديين على وضع الأنظمة التي تنقلها من دولة تعتمد على القرارات الفردية والتي قد تؤدي إلى التباينات الصارخة والاختلافات المفضية للتوترات وإفساح المجال للمتربصين إلى دولة عصرية يمكن أن يطلق عليها دولة الأنظمة إذ تعود عند إصدارها لأي أوامر أو قرارات للنظم واللوائح لتظهر قرارات أكثر رشداً وأقرب تلبية لطموحات الشعب، ولعل البداية الحقيقية لتأسيس الأنظمة حين أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله في 27-8-1412هـ النظام الأساسي للحكم وهو نظام شامل وواضح مبني وفق رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية وتضمن المبادئ العامة ونظام الحكم ومقومات المجتمع السعودي والمبادئ الاقتصادية والحقوق والواجبات وسلطات الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية والشؤون المالية وأجهزة الرقابة والأحكام العامة، ولم يغفل النظام الأساسي تنظيمات المجالس التنفيذية المنظمة لشؤون عامة أو خاصة كمجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجلس العائلة المالكة السعودية ومجلس الأمن الوطني، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- حدثت نقلة هامة في مسار العمل السياسي وتنظيمات انتقال السلطة وتعيين ولي العهد وفق أنظمة محددة بصدور اللائحة التنفيذية لنظام البيعة في 25-9- 1428هـ وهو نظام نوعي يضمن سلاسة انتقال السلطة بسهولة ووفق ضوابط صيغت باحترافية عالية ما يجعل الدولة تستمد قوتها من النظام، لالآراء الشخصية، ونصت مواد اللائحة على ضوابط تطبق على جميع أعضاء الهيئة دون استثناء، ومواعيد عقد اجتماعاتها وطريقة تنصيب الملك وترشيح ولي العهد، واللافت أنها قد ركزت على ضوابط تلزم بأن لا يتمتع بعضوية الهيئة من أبناء الملك عبدالعزيز أو حتى من أحفاده المرشحين من أبناء المتوفين إلا المشهود لهم بالصلاح والكفاية مع التزام العضو التام بواجبات العضوية ومسؤولياتها وإلا سيكون عرضة للتحقيق معه والذي قد يؤدي إلى إسقاط عضويته فليس شرطا أن يكون العضو من الأبناء والأحفاد فقط بل لا بد من انطباق شروط الكفاية والصلاح وهو ما يدل على أن المسألة تتجاوز بكثير الانتماء العائلي كشرط ملزم أو السن كضابط وحيد وهو ما يحفز الجميع لبذل الجهد للوصول للكفاءة التي تحولت إلى معيار أساسي لا بد منه.
ما يفسر سلاسة انتقال السلطات وصدور الأوامر الملكية بسرعة غير متوقعة لشغل الأماكن الشاغرة بسبب الاعتذار أو الوفاة اتكاء الدولة السعودية على هذا الرصيد الضخم من الأنظمة والتي جعلتها دولة قوية متماسكة بقوة النظام، وهو النظام المتين الذي أسقط معايير السن والأقدمية في أكثر من حالة منذ وفاة الملك فيصل -يرحمه الله- وحتى رحيل فقيد الأمة الأمير نايف أسكنه الله فسيح جناته.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15