العنوان المتربع أعلاه ليس من بنات أفكاري، بل هو عنوان مقالة كتبها فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء، في صحيفة الرياض يوم الثلاثاء، الموافق: 25-5-1433 هـ، وهو يقدم نصيحة لكل من حضر المؤتمر، بضرورة تطبيق النص الصريح، والتوصية البارزة في البيان الختامي:
على أنه يلزم لقبول الشهادة بالرؤية، ألا تكون الرؤية مستحيلة حسب الحقائق العلمية الفلكية، لذلك كله فكلنا أمل أن يكون هذا محل اعتبار، واستناد على رفض أي رؤية يتقدم بدعواها، وهي مرتبطة بما يكذبها، كالشهادة بالرؤية، والحال أن الفلك يقرر أن القمر غرب قبل غروب الشمس. وأن تحافظ المحكمة العليا على حزمها، وعزمها، وقوة قرارها في إثبات دخول الشهر، وخروجه. وقد جاء هذا القرار من الرابطة لها معيناً، وسنداً قوياً في اتجاهاتها نحو اتخاذ قراراتها في الإثبات المبني على العلم الشرعي، والحساب الفلكي، بحيث يتم منها تطبيق الحكم الصحيح بخصوص التعامل مع علم الفلك: “في النفي دون الإثبات”.
لن أبالغ إن وصفت قضية الأهلة، بأنها: من النوازل العصرية الفقهية نظرا؛ لارتباطها بمواقيت شرعية، وهو ما يستدعي من أهل العلم، والتخصص، أن يتناولوا هذه القضية، تناولا يتجلى فيه الاجتهاد الجماعي، كونه تمس الحاجة إليه، وتدعو إليه الظروف المعاصرة. وهو ما أكدت عليه توصيات مؤتمر مكة قبل ثلاثة أشهر، حيث جاء في البند الرابع من توصيات المؤتمر، التي يجب مراعاته، والعمل به: أن الحساب الفلكي علم قائم بذاته. له أصوله، وقواعده. وقد كان للمسلمين فيه إسهام متميز، وكان محل اهتمام من الفقهاء المسلمين. وبعض نتائجه ينبغي مراعاتها، ومن ذلك: معرفة وقت الاقتران، ومعرفة غياب القمر قبل الشمس، أو بعده، وأن ارتفاع القمر في الأفق في الليلة التي تعقب اقترانه، قد يكون بدرجة، أو أقل، أو أكثر. ولذلك يلزم لقبول الشهادة برؤية الهلال، ألا تكون الرؤية مستحيلة حسب حقائق العلم الصحيحة، وحسب ما يصدر من المؤسسات الفلكية المعتمدة، وذلك في مثل عدم حدوث الاقتران، أو في حالة غروب القمر قبل غياب الشمس.
عند التقريب بين وجهات النظر، لا بد من تحرير محل النزاع، وبيان محل الاختلاف بين أهل العلم، وبين الفلكيين، وهذا بلا شك مطلب مهم، مع ضرورة التأكيد على أنه: لا يجوز القدح في الفلكيين، أو التشكيك في قدرتهم، بمجرد الأوهام، والخيالات، كما ذكر ذلك فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان، إذ لا يمكن إجماعهم على الخطأ في هذا العلم المتقدم، والذي أثبت صحة ما يخبرون به في مدة الخسوف، والكسوف، ووقت شروق الشمس، ووقت غروبها، وتعامد الشمس في كبد السماء، وكل ما يتعلق بالعلم الفلكي البحت، رغم أنهم يخبرون عن ذلك قبل وقوعه بزمن طويل، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن خبر الحاسب بالكسوف، والخسوف، ليس من علم الغيب، ولا من الكهانة، والتنجيم، حين قال في الفتاوي 4 - 425: “وأما العلم بالعادة في الكسوف، والخسوف، فإنَّما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام، التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه”، وبمعنى ذلك قال ابن هبيرة: إن الفلكيين يتكلمون بعلم، والشهود بمجرد رؤية، تحتمل أن تكون لجرم آخر من الأجرام السماوية، إن أحسنا الظن، وخاصة مع ما تقدم ذكره من حال بعض الشهود، وقد قرر العلماء: أن شهادة الآحاد تحتمل الصدق، والكذب، فهل يترك الأمر القطعي المبني على العلم الحديث، والحساب الدقيق، ويعمل بشيء ظني ؟، هذا ما لا يقبله العقل، ولا تقره الشريعة الإسلامية. فالقاعدة الشرعية، تقضي بـ: “أن العمل يكون باليقين، ولا يلتفت للشك”.
يحدونا الأمل، أن تخرج رؤية علمية لإشكالية التشرذم حول تحري رؤية الهلال، الذي نشهده كل عام؛ لإثبات الشهور القمرية، وتحديد المواقيت الشرعية لبدء دخول شهر رمضان، وخروجه، وشهر ذي الحجة، وشهر الله المحرم، والاستفادة من المعطيات الفلكية في تقليل الخلاف بين الأقطار الإسلامية، إضافة إلى تشجيع البحث العلمي في مجالات الفقه الإسلامي، وجمع الفتاوى، والآراء الفقهية المعتبرة للعلماء المحققين في القضايا المستجدة المعاصرة، والتصدي لما يثار من شبهات حولها، وما يرد من إشكالات على أحكام الشريعة الإسلامية.
drsasq@gmail.com